والجواب أن يقال: أدلة القائلين بالسقوط ضعيفة لا تقوم بها حجة، لا هذا الذي ذكره المؤلف، ولا الذي استدل به الشافعية، وإذا كانت ضعيفة فإنها لا يمكن أن تعارض القرآن والسنة، والقرآن والسنة قد دلَّا على أن ذلك شرط، وأنها لا تؤكل الذبيحة إذا لم يذكر اسم الله عليها.
فإن قلت: إن القول الذي رجحته يَرِد عليه أمور؛ الأمر الأول قوله تعالى:{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا}[البقرة: ٢٨٦]، وهذا الرجل ناسٍ أو مخطئ -يعني جاهلًا- فهو غير مؤاخذ؟
فالجواب: أننا نقول بذلك، ونقول: إن هذا الذي نسي أن يسمي لا يؤاخذ، وكذلك الجاهل الذي لم يعلم أن التسمية شرط ولم يسمِّ لا يؤاخذ أيضًا، لكنه لا يلزم من انتفاء المؤاخذة صحة العمل؛ بدليل أنك لو صليت ناسيًا وأنت مُحْدِث فلا إثم عليك، لكن صلاتك لا تصح، ولو تعمَّدت الصلاة وأنت محدث لأثمت، حتى إن أبا حنيفة رحمه الله يقول: من صلَّى مُحْدِثًا فهو كافر؛ لأنه قد استهزأ بآيات الله.
فنحن نقول: نعم، لا نؤثِّم هذا الذي نسي أو جهل، لكننا لا نأكل ما لم يُذكر اسم الله عليه؛ لأن الله قال:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}[الأنعام: ١٢١].
ولهذا نقول: لو أكل مما لم يذكر اسم الله عليه ناسيًا أو جاهلًا فليس عليه إثم؛ لقوله:{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا}.
وبيان ذلك أن هنا فعلين؛ فعل الذابح، وفعل الآكل، فهذا الذابح الذي ذبح ولم يسمِّ ناسيًا ليس عليه إثم، أليس كذلك؟ فإذا جاء الآكل ليأكل قلنا: هذه الذبيحة لم يذكر اسم الله عليها، إذن يأكل ولَّا ما يأكل؟ لا يأكل؛ لأن الله يقول:{لَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} وأطلق، ولم يقل: إلا أن يكون الذابح ناسيًا، فهنا فعل الذبح وفعل الأكل.