إذن يأمره بأمرين: الأول: أيش؟ تحرِّي العدل، والثاني: الاجتهاد في إقامة العدل.
العدل يشمل أمرين: العدل في الحكم، والعدل في المحكوم عليه.
العدل في الحكم بأن يحكم بما تقتضيه شريعة الله؛ لأن كل ما تقتضيه شريعة الله فهو عدل بلا شك، وبناءً على ذلك يرفض جميع الأحكام القانونية التي تخالف شريعة الله، مهما كانت قوتها القانونية فإنه يجب على القاضي رفضها وطرحها؛ لأنها خلاف العدل، كل ما خالف شرع الله فإنه خلاف العدل.
ثانيًا: العدل في المحكوم عليه، بألا يفرق بين صغير وكبير، وشريف ووضيع، وغني وفقير، وقريب وبعيد، أعرفتم؟ وسيأتينا -إن شاء الله تعالى- بيان أنه يجب أن يعدل بين الخصمين في لفظه، ولحظه، ومجلسه، ودخولهما عليه.
لا يكون القاضي ممن إذا رُفعت إليه قضية تتعلق بأحد من أقاربه حاول أن يتملص من الحكم عليه، وإذا رُفعت إليه قضية تتعلق بأحد ممن بينه وبينهم عداوة شخصية حاول أن يحكم بها عليه؛ فإن نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم حين رُفع إليه أمر المخزومية التي كانت تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها، المخزومية من بني مخزوم، من أشراف قريش، فأهم قريشًا شأنها، وقالوا: كيف امرأة من بني مخزوم تقطع يدها، تصبح أمام الناس عارًا؟ فطلبوا من يشفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاستقر رأيهم على ندب أسامة بن زيد، فانتدب لذلك، وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يرفع الحكم عنها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟ ». والاستفهام هنا للإنكار، فأنكر، وأشار إلى العلة، أنكر في قوله:«أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟ »، أتشفع؟ وأشار إلى العلة في قوله:«فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟ »، كأنه يقول: أنا لا أملك أن أغير حدًّا من حدود الله، فلا شفاعة في حد من حدود الله؛ لأن الحكم كله لله عز وجل.