نحن نعرف أن الأخرس إذا كان حوله أحد من أبناء أو أب أو زوجة أو تجدهم يعرفون من إشارته كما يعرفون من نُطْقه تمامًا، والأخرس أحيانًا يُشير بيده، وأحيانًا يُشير بشفَتَيه، ونحن قد شاهدنا بعض الخُرْس يشير بشفتيه إلى أبيه، فيعرف أبوه ما يريد، يشير، لم تدرِ وإذا أبوه ذهب وأتى بماء، وأنت ما تدري ويش هو؟ لكن أشار بشفتيه، وذاك يَعْرِف، يشير فإذا أبوه قام فأتى بالمِبْخَرة، كيف؟ بإشارته، فهذا العارف بالإشارة إذا كان إلى جانب القاضي يكون كالمترجم له، أليس كذلك؟ فالمترجم يترجم العبارة وهذا يترجم الإشارة، ولا فرق.
إذن المتكلم نقول: إن اشتراط كون القاضي متكلمًا فيه نظر، وأنَّه يجوز أن يُوَلَّى الأخرس، بشرط أن تكون إشارته معلومة أو كتابته مقروءة، فإذا حصل هذا أو هذا صَحَّ أن يكون قاضيًا.
(مُجْتَهِدًا)، هذه عاد المشكلة، لا بد أن يكون القاضي مجتهدًا، والاجتهاد نوعان: اجتهاد مطلق، وهو الاجتهاد في أقوال العلماء كلِّهم، بحيث يُطَبِّق هذه الأقوال على النصوص، ويختار ما هو الصواب، والثاني: اجتهاد في المذهب؛ يعني: هو ما يخرج عن المذهب، ولا يطالع أقوالًا سوى المذهب، لكنه في المذهب مجتهد؛ يقارن بين الأقوال ويعرضها على الكتاب والسُّنَّة، ويعرف الراجح من المرجوح، بل ظاهر كلامهم أنه إذا عرف الراجح من المرجوح ولو باعتبار كلام فقهاء المذهب فإنه يسمَّى مجتهدًا في مذهبه.
فالمجتهد في مذهبه؛ إما أن يكون مِمَّنْ يَعْرِض أقوال أصحاب المذهب على الكتاب والسُّنَّة ويعرف الراجح، أو يكون مِمَّنْ يَعْرِض أقوال أصحاب المذهب على أئمة المذهب، وينظر ما عليه الأئمة فيختاره، وأظن الفَرْق بين الصورتين واضح.