للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلو أن رجلًا ادَّعَى على شخص شيئًا ما، فقال له هذا الشخص: حَكِّم نفسك، أنا أرضى أن تحكم لي أو عليَّ، فما المانع؟ ما فيه مانع.

فإذا قال قائل: إن فيه مانعًا؛ لأن المدَّعِي قد حَكَمَ لنفسه بالحق؛ لأنه ادَّعاه؟

قلنا: إن الإنسان قد تختلف حاله عند التحكيم عن حاله عند الدعوى، فيدَّعي على الإنسان شيئًا، ثم إذا قال: أنا ما عندي مانع، أنا أحَكِّمك، لا شك أنه سيتراجع عن دعواه، سيتراجع؛ إما لكونه يخجل ويستحيي، أو لكونه يخاف الله عز وجل، ويهاب الحكم بغير الحق، بخلاف الدعوى.

على كل حال لا مانع من أن أحد الخصمين يقول للآخر: أنت الحَكَم، وإذا جعله حَكَمًا لنفسه أو عليها فلا بأس.

قال المؤلف: (رَجُلًا يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ) أي: تتوافر فيه صفات القاضي العشر؛ لأنه لا يصلح للقضاء إلَّا مَن اتَّصف بتلك الصفات، وهذا الشرط الذي اشترطه المؤلف فيه نَظَرٌ ظاهر، والفرق بين المُحَكَّم والمنصوبِ من قِبَل ولي الأمر ظاهر؛ لأن المُحَكَّم إنما يحكم في قضية معينة لخصم معين، ليست ولايته عامَّة حتى نقول: لا بد فيها من توافر الشروط السابقة، أمَّا القاضي المنصوب من قِبَل ولي الأمر فحكمه عام، يتحاكم الناس إليه؛ سَواء حكَّماه أم لم يحكِّماه، أما المُحَكَّم فإنه يَنْظُر في قضية معينة لخصم معيَّن، فكيف نشترط الشروط العشرة؟ !

إذا قال رجلان: نحن نرضى هذا الإنسان وإنْ كان عبدًا، كيف نقول: لا يصلح للحكم؟

إذا قال هذان الخصمان: نحن نرضى أن نحكِّمه وإنْ كان أعمى، فما المانع؟

إذا قال هذان الخصمان: نحن نرضى أن نحكِّمه ولو كان مُقَلِّدًا، فما المانع؟

<<  <  ج: ص:  >  >>