للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ) هذه صفة سَلبية؛ يعني: لا يكون بقوته عنيفًا، لماذا؟ لأنه إذا كان ضعيفًا ضاعت الحقوق، وإنْ كان عنيفًا هابَه صاحب الحق، ولم يستطع أن يدلي بحجته؛ ولهذا قال بعدها: (لَيِّنًا مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ) ينبغي أن يكون لينًا؛ لأنه لو كان غليظ القلب فظًّا لهابه صاحب الحق، وتلعثم، وعجز عن إظهار حجته، ولو كان ضعيفًا لضاعت الحقوق، ولَعِب عليه أهل الباطل، وصار الخصوم عنده يتناقدون كما تتناقد الدِّيَكَة؛ إذا حضرتَ مجلسه وإذا الصَّخب واللَّغط والشَّتم والسَّب، وهو ساكتٌ يتفرج، هذا قوي ولَّا لا؟

طلبة: ضعيف.

الشيخ: هذا ضعيف، ولا ينبغي أن يكون القاضي على هذا الوجه.

وإذا كان عنيفًا فالأمر أيضًا مُشْكِل؛ لأن العنيف يهابه صاحب الحق، ولا يستطيع أن يتكلم، فيكون الإنسان بَيْن بَيْن؛ قويًّا من غير عنف، وليِّنًا من غير ضعف.

فإن قال قائل: هذه صفات يَجْبُل الله العبد عليها، يعني ما الإنسان ( ... ) صار عنيفًا، وإن جَبَلَه على الضعف صار ضعيفًا، ليس أمرًا مكتسبًا، بل هو أمر غريزي، كيف تطالبونه بأمر غريزي ما يستطيع أن يتخلق به؟

الجواب: جميع الأخلاق الغريزية أو الصفات الغريزية يمكن أن تتغير بالاكتساب، ولَّا لا؟

طالب: نعم.

الشيخ: يمكن أن تتغير بالاكتساب، كثير من الناس يكون -مثلًا- عنيفًا وشديدًا، ثم يصاحب رجلًًا ليِّنًا فيَلِين به، ويأخذ من أخلاقه ولَّا لا؟ وكثير من الناس يكون ضعيفًا، ما عنده شخصية، لكن يتمرن على تقوية شخصيته حتى يكون قويًّا.

فالفقهاء رحمهم الله ما طلبوا من الإنسان شيئًا مستحيلًا، طلبوا أمرًا إن كان قد جُبِل عليه فذلك المطلوب، إن لم يُجبل عليه يحاول اكتسابه.

وعلى هذا يُحْمَل قول الرسول عليه الصلاة والسلام لمن قال: أوصني، قال: «لَا تَغْضَبْ»، أوصني، قال: «لَا تَغْضَبْ»، هل الرسول عليه الصلاة والسلام نهاه عن أمر جِبِلِّي مطبوع عليه الإنسان؟

<<  <  ج: ص:  >  >>