للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: (ذَا أَنَاةٍ)، أَنَاةٍ؛ يعني: تُؤَدَة وعدم تسرعٍ، يكون متأنِّيًا فلا يتعجَّل في الحكم، ضدُّ ذلك المتسرعُ في الحكم؛ لأن المقام مقام يحتاج إلى تأنٍّ ليتصور المسألة من كل الجوانب، ثم يطبِّقها على الأدلة الشرعية، وهذا يحتاج إلى تأنٍّ وعدم تسرع.

ما تقولون في قاضٍ حضر إليه خصمان، فقال أحدهما: أدَّعِي على فلان بمئة درهم، قال له القاضي: يلَّا، قُمْ سلِّم له المئة، هذا قاضٍ ذو أناة ولَّا لا؟ أبدًا، ما هو ذو أناة، هذا متسرِّع، بل لا بد أن يتأنَّى القاضي.

وهذه الصفة أيضًا نقول فيها -كما قلنا في الحِلْم-: قد يكون التأني مفوِّتًا للفرصة، فإذا كان التَّأني يفوِّت الفرصة فلا ينبغي أن يتأنَّى؛ لأنه إذا كان التَّأنِّي مفوِّتًا للفرصة كان التَّأنِّي مَضْيَعَةً للحزْم، ولَّا لا؟

وَرُبَّمَا فَاتَ قَوْمًا جُلُّ أَمْرِهِمُ

مَعَ التَّأَنِّي وَكَانَ الرَّأْيُ لَوْ عَجِلُوا

فالإنسان قد يكون الرأي والحزم أن يبادر.

(وَفِطْنَةٍ) وهذه بَعْدُ مشكلة، يكون فَطِنًا، لا بد أن يكون ذا فطنة ونباهة وفِراسة، وهذه من الآداب المستحبة ولَّا الواجبة؟ كل هذه من المستحبة على ما قال المؤلف رحمه الله: يكون عنده انتباه في الحكم، انظر إلى سليمان عليه الصلاة والسلام لمَّا تحاكمت إليه المرأتان في ابن إحداهما دعا بالسكين ليَشُقَّه، فقالت الكبرى: نعم، يا نبي الله، أرضى بهذا الحكم، وقالت الصغرى: لا، هو ولدها يا نبي الله، ولا تشقه، فقضى به لِمَنْ؟ للصغرى، هذا من الانتباه والفطنة.

وقد ذكر ابن القيم في الطرق الحكمية قضايا كثيرة من هذا النوع تدلُّ على فطنة بعض القضاة وذكائهم.

ومنها أن رجلين اختصما في أَرض، فقال أحدهما للقاضي: إنه قد أعطاني الأرض مُزارَعةً بالنصف، ويش معنى المُزارَعة؟

طالب: يزرعها.

<<  <  ج: ص:  >  >>