للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالجواب: أن يقال: نعم، لا شك أنها غرائز، لكن يمكن أن تُكتَسَب، يمكن أن يُمَرِّن الإنسان نفسه على الحِلْم والتَّأني وعدم التسرُّع، وعلى الرفق واللِين، وكم مِن أُناس كانوا ذوي عنف شديد وغِلظة، لكنْ بالعلم والأخلاق والآداب وتمرين أنفسهم كانوا على الوجه الذي ينبغي، فالإنسان يُعَوِّد نفسه؛ ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم لمَّا قال: أوصني، قال: «لَا تَغْضَبْ» (٤).

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وَلْيَكُنْ مَجْلِسُهُ فِي وَسْطِ الْبَلَدِ)، (وَسْطِ) بمعنى: متوسط الشيء، و (الوَسَط) بالفتح: الخِيار، فليكن المجلس في وسْط البلد؛ لأنه قاضٍ لأهل البلد كلِّهم، فلو كان في جانب منه؛ لشَقَّ على أهل الجانب الآخر، وعلى هذا فينُظر إلى قَصَبة البلد -يعني وسطها- فيكون مجلس القاضي هناك؛ سواءٌ كان في بيته أو مكتب آخر.

(فَسِيحًا)، هذه خبر آخر لـ (يَكُنْ)؛ يعني: وليكن فسيحًا؛ لأنَّه قد تكثُر الخصوم فيضيق بهم، ولأن المكان الفسيح أوسع للصدر وأشرح، فكلَّما كان المكان فسيحًا كان انبساط الإنسان فيه أكثر، وصدره أرحب وأوسع.

قال رحمه الله تعالى: (وَيَعْدِلُ) من هنا بدأت الآداب الواجبة، قال: (وَيَعْدِلُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ) الجملة الاستئنافية هنا (وَيَعْدِلُ) خبر بمعنى الأمر؛ يعني: يجب عليه أن يعدل بين الخصمين؛ لقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل: ٩٠]، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: ٥٨]، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ» (٦)، فأمر بالعدل بين الأولاد، وكذلك بين غيرهم ممن يتساوون في الحقوق، فيجب أن يعدل بين الخصمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>