للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والغضب ثلاثة أقسام: غاية، وابتداء، ووسط، الابتداء هذا لا يضر؛ لأنه ما مِنْ إنسان يخلو منه إلَّا نادرًا، والغاية لا حكم لمن اتَّصفَ بها -أي بغاية الغضب- في أي قول يقوله، والوسط محل خلاف بين العلماء.

ونضرب لذلك مثلًا في رجل طلَّق وهو غضبان؛ إن كان في أول الغضب فطلاقه واقع نافذ، إن كان في غايته فطلاقه غير نافذ ولا واقع، وهذان موضعان متفق عليهما، الثالث: إذا طلَّق في الغضب المتوسط فللعلماء في ذلك قولان مشهوران، أصحَّهُما أن الطلاق لا يقع؛ لأن هذا الرجل الغضبان يجد من نفسه أن شيئًا يُرغِمه، هو يَعِي نفسه ويدري ما يقول، ويدري أنه في الأرض، لكن كأن شيئًا يضطره ويُرْغِمْه إلى أن يطلق، وقد جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا طَلَاقَ فِي إِغْلَاقٍ» (٧).

الغضب الذي يَحْرُم على القاضي القضاء فيه أيُّ الأنواع الثلاثة؟

طلبة: الغاية، والوسط.

الشيخ: الغاية والوسط يحرم عليه القضاء في هذه الحال.

الدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ»، أو «لَا يَقْضِيَنَّ أَحَدُكُمْ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» (٥)، هذا الدليل.

التعليل أن الغضبان لا يَتصور القضية تصورًا تامًّا، ولا يتصور تطبيقها على النصوص الشرعية تطبيقًا تامًّا، والحُكْم لا بد أن يتصور الإنسان القضية، ثم يتصور انطباق الأدلة عليها؛ لأن الحُكْم على الشيء فرعٌ عن تصوره، والحُكْم على الشيء لا بد من معرفة الموجِب للحكم، والغضبان لا يتصور ذلك؛ لا القضية، ولا انطباق الأحكام عليها؛ فلهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقضي بين اثنين وهو غضبان.

وأيضًا إذا كان الغضب مِنْ أحد الخصمين -هو الذي أثار غضب القاضي- فهنا محذورٌ ثالث؛ وهو أنه قد يحمله غضبه على هذا الخصم بأنْ يحكم عليه، مع أن الحق له، ففي هذا المحذورات الثلاثة.

فيَحْرُم القضاء وهو غضبان بالدليل، ويش بعد؟

<<  <  ج: ص:  >  >>