وثانيًا: أنَّ فيها فساد الخلْق؛ فإن الناس إذا كانوا يُحكَم لهم بحسب الرشوة فَسَدَ الناس، صاروا يتباهَون فيها أيُّهم أكثر رشوة، فإذا كان الخصمُ إذا أعطى ألفًا حُكِمَ له وإذا أعطى ثمان مئةٍ لم يُحكَم له، ويش يعطي؟
طلبة: ألفًا.
الشيخ: يعطي ألفًا، وإذا ظنَّ أنَّ خصمه سيعطي ألفًا أعطى ألفين، وهكذا، ففسد الناس.
ثالثًا: أنها سببٌ لتغيير حُكم الله عز وجل، كيف ذلك؟
لأنه -بطبيعة الحال- النفس حيَّافةٌ ميَّالةٌ، تميلُ إلى من أحسنَ إليها، فإذا أُعطِيَ رشوة حَكَم بغير ما أَنْزل الله، فكان في هذا تغييرٌ لِحُكْم الله عز وجل.
رابعًا: أن فيها ظُلْمًا وجَوْرًا؛ لأنه إذا حَكَم للراشي على خصمه بغير حقٍّ فقد ظلمَ الخصم، ولا شكَّ أنَّ الظُّلم ظلماتٌ يوم القيامة، وأنَّ الجور من أسباب البلايا العامَّة كالقحط وغيره.
خامسًا: أنَّ فيها أكلًا للمال بالباطل أو تسليطًا على أكْل المالِ بالباطل، كيف ذلك؟
هل مِن حقِّ القاضي أنْ يأخذ شيئًا على حُكْمه؟ لا؛ لأننا نقول: هذا الذي أخذه القاضي إمَّا أن يحمله على الحكم بالحقِّ، والحكم بالحقِّ لا يجوز أن يأخذ عليه عِوَضًا دنيويًّا، وإمَّا أنْ يحمله على الحكم بخلاف الحقِّ، وهذا أشَدُّ وأشَدُّ، فكان أخْذُ الرشوة أكلًا للمال بالباطل، وبذلُها إعانةً لأكل المال بالباطل.
وبالرشوة ضياعُ الأمانات، وهذا معنًى سادسٌ؛ أنَّ فيها ضياع الأمانات، وأنَّ الإنسان لا يؤتَمَن، والحكم لا يؤتَمَن، والإنسانُ لا يدري أيُحكَم له بما معه من الحقِّ أو يُحكَم عليه، وهذا فسادٌ عظيمٌ، لذلك استحقَّ الراشي والمرتشي لعنةَ الله، والعياذُ بالله.
ولكنْ ما تقولون فيما لو تعذَّر إعطاءُ المستحِقِّ حقَّه إلا ببذْلِ دراهم، هل يدخل هذا في الرشوة ولَّا لا؟