للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نقول: نعم، هي رشوة؛ لأن الإنسان يريد أنْ يتوصَّل إلى حقِّه، لكن إثمها على الآخذ دون المعطي؛ لأن المعطي إنما بَذَلها ليستخرج حقَّه؛ لأن حقَّه يضيع إذا لم يبذل ذلك، ويكون اللعن على المرتشي؛ الآخذ، وقد نصَّ على ذلك أهلُ العلم رحمهم الله وبيَّنوا أن مَن بَذَل شيئًا للوصول إلى حقِّه فليس عليه شيء، ماذا يصنع؟

ويوجد الآن مَن يقول للإنسان المطالِب بحقِّه: إمَّا أنْ تعطيني كذا وكذا -صراحةً- وإلَّا فاصبرْ.

-إلى متى؟

-اصبِرْ.

صَبَر أسبوعًا جاء ليمه، قال: يلَّا، تبغي تعطيني؟ قال: لا. قال: اصبِرْ. جاء الأسبوع الثاني، تبغي تعطيني؟

-لا.

-اصبِرْ.

وهكذا حتى يَمَلَّ ويعطيه غصْبًا عليه، وهذا -في الحقيقة- أمْرٌ مُرٌّ ومفسِدٌ للخَلْق ولأديانهم وأبدانهم؛ لأنهم يأكلون السُّحتَ والعياذُ بالله، حتى إنه حكى لي شخصٌ أن له معاملةً في إحدى الدوائر، وكان يتردَّد ويتردَّد، وكل واحد من الكُتَّاب يقول له: اصبِرْ. وذا يرحِّله للثاني، وذا يرحِّله للثالث، وهكذا، وتَعِب، صادفَ أنه خرج يومًا من هذه الدائرة، لاقاه واحد من أصحابه: ويش عندك يا فلان تتردَّد على هذا؟ قال: عندي كذا وكذا؛ معاملة منتهية، ما بقي عليها إلا شيء بسيط، وإني عجزت، لا تتيسَّر. قال: تبغيها تتيسَّر؟ قال: نعم. قال: تعال. ما يروح معه، قال للقهوتي: تعال، هذه مئتان وخمسون ريالًا، دوك ها المعاملة تكفي أنك تسهِّل لنا، شوف رقمها وتاريخها. قال: ابشِرْ، ابشِرْ، أنتم -إن شاء الله- إذا صليتم الظهر فوتوا. يقول: واللهِ نطلع بين مصدِّق ومكذِّب. يقول: صلينا الظهر وجئنا وإلا المعاملة بيده خالصة. قال: لو دريت صنعته أعطيته ألفين وخمسين ما هو بمئتين وخمسين، أتردَّد لمدة، وأنا بس شو أقول يعني الآن، والعياذُ بالله، دناءة؛ يعني رشوة بسيطة مشَّت الحال.

طالب: لكن ( ... ) يا شيخ يعطي ولا دخْلَ له في ذلك.

الشيخ: إي، لكن نفعتْ.

الطالب: ( ... ).

<<  <  ج: ص:  >  >>