الشيخ: نفعت، فالمهمُّ أن الرشوة فسادٌ للمجتمع في الواقع، ولهذا يَحْرُم على القاضي أن يأخذ الرشوة مطْلقًا.
فإنْ كان القاضي ليس له رزقٌ من بيت المال -يعني ما عنده راتب من بيت المال؛ من الدولة- وهو إنسان ما عنده مال وبيع ومشترى، وقال للخصمين: لا أقضي بينكما إلا بكذا وكذا. حسب القضية؛ إنْ كانت كبيرة قال: أقضي بينكما بشيءٍ كثير، إذا كانت صغيرة: بشيء صغير، يجوز ولَّا لا؟
طلبة: يجوز.
الشيخ: فيه خلاف؛ المشهور من المذهب أنه يجوز، والصحيح أنه لا يجوز؛ لأن هذا أخذُ عِوَضٍ على أمرٍ واجبٍ عليه؛ فإن الحكْم بين الناس واجبٌ، وهو إذا عوَّدَ نفْسَه هذا هل سيقتصد على مقدار الكفاية؟ أبدًا، سيطمع، وإذا جعل الْجُعْل -مَثَلًا- على الألفِ خمسةً في اليوم الأول، جعل على الألف في اليوم الثاني عشرةً، وازداد طمعًا، فالصواب أن هذا لا يجوز، ويُقال له: اتَّقِ اللهَ بقدْر ما تستطيع، اعملْ في السوق واقضِ بين الناس في وقتٍ آخَر. لكن هذه المسألة التي الآن فرضْناها هي نادرةُ الوقوعِ جدًّا، وفي عهدنا -ولله الحمد كما تشاهدون- القضاةُ لهم أرزاقٌ من بيت المال أكثرُ من كفايتهم.
قال:(وكذا هديَّةٌ، إلَّا مِمَّنْ كان يُهاديه قَبْل ولايتِهِ إذا لم تكنْ له حكومة).
يعني يَحْرُم على القاضي أن يَقْبل هديَّة، إذا أهدى له إنسانٌ فلا يجوز أن يَقْبل الهدية مطْلَقًا، سواء كان لهذا الْمُهدي حكومة أمْ لم يكن، وعلى هذا فإذا انتصبَ رجُلٌ للقضاء اليومَ الثلاثاء، ففي يوم الاثنين أمس يجوز أنْ يَقْبل هديَّتي، أمَّا اليوم فلا يجوز أن يَقْبل هديَّةً إلا بشرطين؛ قال:(إلَّا مِمَّنْ كان يُهاديه قَبْل ولايتِهِ إذا لم تكنْ له حكومة) شرطين:
أن يكون لهذا الْمُهدي عادة، يُهدي إلى هذا القاضي قبل أن يتولَّى القضاء.
والثاني: ألَّا يكون له حكومة، فإنْ كان له حكومةٌ فلا يجوز أن يقبل هديَّته ولو كان مِمَّن يهاديه قبل ولايته.