للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا فيما إذا ما كانت الدعوى من الجانبين؛ أيْ إن كلَّ واحدٍ منهما يدَّعي على الآخَر، فإن مَن سَبَقَ بالدعوى يقدِّمه، والغالب أنَّ الدعوى تكون من جانبٍ واحدٍ، الغالب أن الخصمين أحدُهما مدَّعٍ والآخَر مدَّعًى عليه، فقول المؤلف: (مَن سَبَق بالدَّعوى قدَّمه) هذا فيما إذا كان لكلِّ واحدٍ منهما دعوى على الآخَر، فإنْ لم يكن دعوى على الآخَر فمعلومٌ أنَّ المدَّعِي هو الذي يتكلم.

يقول: (فمَنْ سَبَق بالدَّعوى قدَّمَهُ، فإنْ أقَرَّ له حَكَمَ له عليه).

(إنْ أقَرَّ) الفاعل يعود على المدَّعَى عليه، (له) الضمير يعود على المدَّعِي؛ أي: فإن (أقَرَّ) المدَّعَى عليه (له) أي: للمدَّعِي (حَكَم) أي: القاضي (له) أي: للمدَّعِي (عليه) أي: على المدَّعَى عليه.

وأظنُّ هذه واضحة؛ حَضَر إليه زيدٌ وعمرٌو، فقال: أيُّكما المدَّعِي؟ أو سكتَ حتى بدأ أحدُهما، فقال زيدٌ: أدَّعِي على عمرو بمائة ألف ريال. قال: ما تقول يا عمرو؟ قال: نعم، صحيح، له عليَّ مائة ألف ريال. حَكَمَ له عليه.

لكن هل تظنُّون أن هذا أَمْرٌ يَقَع؟ هذا ما يَقَع إلا نادرًا؛ لأنه لو كان يريد أن يُقِرَّ ما احتاجوا يأتون للقاضي، إلَّا في مسألة ذَكَرها ابن القيم في الطرق الحكمية؛ يقول: فيه واحد كلَّما ادُّعِيَ عليه عند القاضي أقَرَّ، ثم يقول: أنا ما أقدر، ما عندي شيء. ثم يؤمر فيُحبَس، ثم يجيء أبوه ويفديه ويعطي المدَّعِي ما ادَّعاه ويطلِّع ولده من السجن. يقول: فجاء ذاتَ يومٍ إلى قاضٍ من القضاة وادُّعِيَ عليه بدراهم كثيرة، وعلى طول أقَرَّ، القاضي كأنه يعني اشتبهَ عليه الأمر؛ كيف يُقِرُّ على طول بهذه الدعوى! فما لبث أنْ جاء أبوه يشكو يقول: هذا ابني أنْفَدَ مالي؛ يُقيم مَن يدَّعِي عليه بدعوى كبيرة، ثم يُقِرُّ، ثم يُحبَس ليُسَلِّم المدَّعَى به فأفتديه، ثم يأخذ المالَ نصفه له ونصفه للمدَّعِي، فأتعبَني. فقال: الحمد لله، إذَنْ فِراستي ما خابتْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>