يُحَوَّل إلى قاضٍ آخَر ويكون هو شاهدًا، شُفت كيف؟ ! يُحوَّل إلى قاضٍ آخَر، إذا كان هو رئيس المحكمة يُحَوِّله إلى عضْوِ المحكمة، يقول: تخاصَمْ عند فلانٍ وأنا شاهدٌ لكَ؛ المدَّعِي. وحينئذٍ يزول الإشكال.
ظاهر كلام المؤلف أنَّ القاضي لا يحكم بعلمه مطْلَقًا، ولكنْ هنا ثلاثُ مسائل استثناها العلماء قالوا: إنه يحكم بعلمه فيها:
المسألة الأولى: عدالةُ الشهود وجرحُ الشهود.
العدالة والجرح يحكم بعلمه؛ لأن هذا ليس حُكمًا مباشرًا حتى يُتَّهَم القاضي فيه، فإذا كان يعلم عدالةَ الشاهدَيْنِ حَكَمَ بهما بدون طلبِ تزكية، وإذا كان يعلم جَرْحَهما ردَّ شهادتَهما بدون جارحٍ؛ لأن هذا ليس حُكمًا مباشرًا، وإنما هو حُكمٌ بسبب الحكْم، أو حُكمٌ بالذي ينبني عليه الحكْم، هذه واحدة.
المسألة الثانية: ما عَلِمه في مجلس الحكْم فإنه يحكم به.
كيف ما عَلِمه في مجلس الحكم؟ تحاكَمَ إليه اثنان، وفي أول الجلسة أقرَّ المدَّعَى عليه بالحقِّ، ثم بعد ذلك أَنْكرَ، يحكم عليه ولَّا لا؟
نعم، يحكم عليه؛ لأنه ما زال في مجلس الحكْم وقد سَمِع من المدَّعَى عليه الإقرار، فوجب عليه أنْ يحكم به، حتى لو أَنْكَر بعدُ ما يَقْبل.
الثالث: إذا كان الأمر مشتهرًا واضحًا بيِّنًا يستوي في عِلْمه الخاصُّ والعامُّ، لا القاضي ولا غيره، فهُنا يحكم بعلمه.
مثال ذلك: اشتهر في البلد أنَّ هذا الملْك وقْفٌ على الفقراء، مشهور عند جميع الناس منذ أزمانٍ طويلة أنه للفقراء، فجاء ذُرِّيَّة الواقف وقالوا لنا: هذا لأبينا. ولَّا: لجدِّنا. وكان القاضي يعلم -كما يعلم سائر الناس- أن هذا الملْك وقْفٌ، يحكم بعلمه ولَّا لا؟