وقال:(ما لي بيِّنة). هنا نقول: إنه ينبغي للمدَّعِي أن يقول: لا أعلم لي بيِّنة. لأنه إذا قال: ما لي بيِّنة، فقد يكون هناك بيِّنة لم يعلم بها أو نسيها، ثم إذا أقامها بعد أن قال: ما لي بيِّنة، فإنها لا تُسمع على المشهور من المذهب كما سيأتي إن شاء الله، فالأحسن أن يقول أيش؟ لا أعلم لي بيِّنة.
طيب، يقول:(أَعْلَمَهُ الحاكمُ أنَّ له اليمينَ على خَصْمه على صِفة جوابه) على صِفة جوابه لا على حسب دعوى المدَّعِي.
نقول الآن: إذا لم يكنْ لك بيِّنة .. نحن سألْنا المدَّعَى عليه وقال: لا، لا أُقِرُّ بذلك. أَنْكَر، فنقول: إن لك اليمين على خَصْمك على صفة جوابه، لا على ما ادَّعيتَ.
فمثلًا إذا ادَّعى بمئةٍ وقال الخصم: إنه لا يستحقُّ عليَّ إلا خمسين. فماذا يحلف؟ يحلف يقول: واللهِ لا يستحِقُّ عليَّ إلا خمسين. ولا حاجة أن يقول: والله لا يطلبني مئةً. لأنه إنما يُلْزم باليمين على صفة ما أجاب به، فيُحَلَّف على صفة ما أجاب به، ولهذا قال:(على صفة جوابه).
الدليل: قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ»(٥)، هذا دليل.
التعليل: لأن اليمين في الخصومات يكون في جانب أقوى المتداعيَيْنِ، وهنا لدينا مدَّعٍ ومدَّعًى عليه، أيُّهما أقوى: جانب المدَّعِي أو المدَّعَى عليه؟ جانب المدَّعَى عليه؛ لأن الأصل معه، الأصل عَدَم ثبوت ما ادَّعى به المدَّعِي، فيكون الأصل مع مَن؟ مع المدَّعَى عليه، إذَنْ ترجَّحَ جانبُه لكون الأصل معه، فكانت اليمين في حقِّه لا في حقِّ المدَّعِي.
فصار لدينا دليلٌ وتعليلٌ، ما هو الدليل؟ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُنْكِرِ».
أمَّا التعليل: فلأن اليمين إنما تُشرع في باب الدعاوي في أيش؟ في أقوى جانِبَي المتداعيَيْنِ، وهنا جانب المدَّعى عليه أقوى، ليش؟ لأن الأصل معه، وهذه القاعدة لها فروعٌ؛ أدلَّة تؤيِّدها.