طيب، على كلِّ حال إنَّ الإنسان قد ينسى وينفي بناءً على نسيانه، قد يظن أن البيِّنة ماتتْ، وإذا ماتت مَن يأتي بها؟ ! فيكون ادِّعاؤه أن البيِّنة ميِّتة سَفَهًا لدى الناس فلا يتكلم، فالصواب -بلا شكٍّ- ما هو ظاهر كلام المؤلف: أنه إذا أتى ببيِّنة ذاتِ عَدْلٍ حُكِم بها، ولم تكن اليمينُ مزيلةً للحق.
ثم إنَّ العامِّي .. يعني لو تنازلْنا وقُلنا: هذا الكلام الذي ذكرْناه احتمالًا، وهو احتمال النسيان أو الجهل أو الموت، لو تنازلْنا، فهل العامِّي يفرِّق بين:(ما لي بيِّنة)، و (ما أعلمُ أن لي بيِّنة)؟
الطلبة: لا يفرق.
الشيخ: أبدًا، العامِّي لا يفرِّق، لو قيل له: ألسْتَ طلَّقْتَ امرأتَك؟ قال: نعم. تطلق ولا ما تطلق؟
طلبة: تطلق.
الشيخ: إن كان لُغَوِيًّا؟
طلبة: لا تطلق.
الشيخ: لا تطلق، إنْ كان لُغويًّا لا تطلق. إنْ كان عامِّيًّا؟
الطلبة: تطلق.
الشيخ: تطلق؛ لأنه يفهم (نعم) بمعنى (بلى)، فالعامِّي -في الواقع- لا يفرِّق بين: ما لي بيِّنة، وبين قوله: ما أعلم لي بيِّنة، اللهم إلا إذا كان المدعِي رجُلًا متمرِّسًا في الدعاوي كالذي يسمُّونه المحامي؛ فإنَّ المحامين يَدْرسون الدعاوي على أنها فنٌّ من الفنون، كالمهندس يدرس الهندسةَ على أنها فنٌّ، هو مهندس دعاوي، فتجده يأتي بِحُجَجٍ أكبر من الجبال ولو كان مُبْطِلًا، ولو كان كاذبًا؛ لأنه يكسب بهذا أمرين: المال المجعول له، والثاني: شطارته في المحاماة وقدرته على المحاماة؛ لو يفشل ما عاد يبغاه الناس، لو يكتب على دكَّانه لوحة أكبر من باب الدكان على أنه محامٍ ما قبلوه الناس.
فالحاصل أننا نقول: القول الثاني في المسألة ما هو ظاهرُ كلامِ المؤلف وهو الصواب: أنه إذا قال: ما لي بيِّنة، ثم أَحْضَرَ فإنها تُقبل.