وسبق لنا أن الشهادة لها تحمل وأداء، فالتحمل الالتزام بها، والأداء هو الشهادة بها عند الحاكم مثلًا، وسبق لنا أن التحمُّل فرض كفاية، إذا وُجِد من يكفي سقط عن الباقين، وأن الأداء فرْض عين. والفرق بينهما؛ أن التحمل لم يلتزم به الإنسان، ولا يُلزم به إلا إذا لم يُوجد سواه، أما الأداء فقد التزم به أولًا وتحمله، فيلزمه الأداء، ونطلب الدليل الآن على كون التحمل فرض كفاية؟
الشيخ: نعم؛ لأن الكتمان يكون في القلب، والشهادة محفوظة في القلب.
يقول المؤلف رحمه الله:(أداؤها فرْض عين على من تحمَّلها) لكن بشروط، قال:(متى دُعِيَ إليها)، فإن لم يُدعَ إليها لم يلزمه الأداء، ولكن لو أدَّى بدون أن يُدعى إليها، فهل هذا محمود أو هو مذموم؟
اختلف العلماء في هذا، فمنهم من قال: إنه مذموم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِي قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ»، (١٣) وفي رواية: «يَشْهَدُونَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدُوا»(١٤)، فقالوا: إن هذا ذم لمن يَشهد قبل أن يُستشهد. وعلَّلوا ذلك أيضًا بأن الإنسان الذي يُبادِر إلى الشهادة قبل أن يُستشهد قد يُتهم، ويُظن أن معه تحيُّزًا للمشهود له، أو للمشهود عليه، وإلا فما الذي جعله يشهد قبل أن تُطلب منه الشهادة؟ !