للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال بعض العلماء: بل الأفضل أن يشهد وإن لم يُسْتشهد؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ -أو قال: - أَلَا أُنَبِّئُكُمْ- بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ؟ الَّذِي يَأْتِي بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا». (١٥) وهذا يدل على فضيلة من شَهِد قبل أن يُسْتشهد.

والصحيح أن في ذلك تفصيلًا، فإن كان المشهود له لا يعلم بالشهادة فإنه يؤديها وإن لم يُسألها. كيف لا يعلم؟ مثل أن يكون الشاهد قد استمع إلى إقرار المشهود عليه من غير أن يعلم به المشهود له، فيكون قد أقر عنده في مجلس بأن فلانًا يطلبني كذا وكذا، أو بأن العين التي في يدي لفلان، أو ما أشبه ذلك، والمشهود له لم يَعلم، فهنا إذا علم الإنسان أن المسألة وصلت إلى المحكمة، فالواجب عليه أن يشهد ويُبلِّغ؛ لئلا يفوت حق المشهود له، أما إذا كان المشهود له عالِمًا وذاكرًا فإنه لا يشهد حتى تُطلَب منه الشهادة؛ لأنه إذا تعجَّل فقد يُتَّهم في شدة محاباته للمشهود له، أو معاداته للمشهود عليه.

وأما الحديث في ذم قوم يشهدون ولا يُستشْهدون، فإنه لا يتعين أن يكون المراد به أداء الشهادة؛ إذ يحتمل أن المعنى: يشهدون دون أن يتحملوا الشهادة، فيكون هذا وصفًا لهم بشهادة الزور، ولا شك أن شهادة الزور من أكبر الكبائر؛ وهذا هو المتعيِّن في قوله: «يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ»، (١٦) وأما قوله: «يَشْهَدُونَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدُوا»، (١٧) فتُحمل على قوله: «يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ»، فالتفصيل الذي ذكرنا هو المتعيِّن، أن يقال: إذا كان لدى المشهود له علم بشهادته، فلا يشهد حتى يُطلب منه ذلك، وإلا فعليه أن يُبيِّن ويشهد.

<<  <  ج: ص:  >  >>