للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الفاء للتفريع، والجملة مفرعة على ما سبق، من قوله: بألا يفعل كبيرة ولا يُصر على صغيرة أو (ولا يدمن على صغيرة) يقول: (فلا تقبل شهادة الفاسق)، سواء كان فسقه بالأفعال أو بالأقوال أو بالاعتقاد؛ لأن الفسق قد يكون بالأقوال كالقذف مثلًا، فإن القذف من كبائر الذنوب، كما قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: ٢٣]. الفعل مثاله كالزنا، وشرب الخمر، والسرقة؛ فهذه من الأفعال المفَسِّقة.

الاعتقاد: ذكر بعض العلماء ضابطًا في الاعتقاد، فقال: كل بدعة مُكفِّرة للمجتهد فهي مُفسِّقة للمُقلِّد.

وللننظر هذه العبارة في الحقيقة حلوة؛ لأنها ضابط واضح: كل بدعة مكفرة للمجتهد فهي مُفسِّقة للمقلد؛ لأن المجتهد يقولها، ويناظر عليها، وربما يدعو إليها، والْمُقَلِّد لا يعلم، مُقلِّد، فنقول: هو فاسق.

هكذا أطلق بعض العلماء، وهي عبارة -كما قلت لكم- حلوة؛ لأنها ضابط واضح، ولكنه خالفه آخرون وقالوا: إن المقلِّد لا يخلو، إما أن يعتقد أن ما قاله هذا هو الحق؛ لأنه لا يعرف غيره، فهذا لا يمكن أن نحكم بفسقه؛ لأنه اتقى الله ما استطاع، ولا يستطيع أكثر من ذلك، ليس عنده في بلده إلا هؤلاء العلماء، ولا يسمع قولًا يخالف قولهم، أو قولًا يُدَّعى أنه الحق وهو مخالف لقولهم، فكيف نفسقه وهو قد اتقى الله ما استطاع؟ !

ولكن نقول: من تعصب لهم فحينئذٍ نُفسِّقه؛ يعني لو قيل له: الحق كذا، قال: لا، مشايخي يقولون: كذا وكذا، فهذا لا شك أننا نُفسِّقه؛ لأنه يشبه قول المشركين الذين يقولون: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف: ٢٢]، والآية الثانية: {وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف: ٢٣].

<<  <  ج: ص:  >  >>