للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كان هذا، فإن مرجع المروءة إلى العادة في الواقع، فقد يكون هذا العمل مثلًا مُخلًّا بالمروءة عند قوم، غير مخل بالمروءة عند آخرين، وقد يكون مُخِلًّا بالمروءة في زمن غير مُخِلٍّ بها في زمن آخر، ما دمنا أرجعنا المروءة إلى العادة، وهي: ما تعارف الناس على حسنه، فحينئذٍ تكون المسألة بحسب عادات الناس.

مثلًا قال العلماء: من الإخلال بالمروءة أن ينام الإنسان بين الجالسين، إذا نام الواحد بين الجالسين فهذا سقطت مروءته، ليش؟ خلاف المعتاد، وإذا خرج عن مستوى الجالسين سقطت مروءته، وهذه تهمنا: إذا خرج عن مستوى الجالسين، يعني الصف مثلًا وهو تقدم ولا تأخر، سقطت مروءته؛ يعني بعض الناس يُشدد، وإذا مضغ العلك أمام الناس سقطت مروءته، وإذا أكل في السوق سقطت مروءته. هذه ما دمنا عرفنا فيما سبق أن الضابط في المروءة هو ما تعارف الناس على حُسنه فهو مروءة، وما تعارف الناس على قبحه فهو خلاف المروءة.

ننظر الآن، هل مثل هذه الأمثلة مخالف لما يعتاده الناس؟

ينظر؛ يعني الواحد بين أصحابه يمكن ينام ولَّا لا؟ هو معهم في البر في نزهة، وما أشبه ذلك، هم جالسون وهو نائم، ما يقال: هذا خلاف المروءة، لكن لو يجي واحد منكم الآن ( ... ) بهذا، مروءة ولَّا غير مروءة؟ قطعًا غير مروءة، تختلف المسألة، أليس كذلك؟

مد الرجل، يقول: مد الرجل بين الجالسين خلاف المروءة. نقول: هذا صحيح؟ لا، ما هو صحيح إطلاقًا، ولا غير صحيح إطلاقًا، حسب العادة، قد تكون بين إخوانك وأصحابك -ويقولون: عند الأحباب تسقط العادات- وتمد رجلك، ولكن قد تكون في مجلس موقر ما تمد رجلك، لو مددت رجلك لكان كل الناس يعيبونك.

إذن فالمسألة تختلف، ويذكر أن أبا حنيفة رحمه الله كان يقرر، فجاء ذلك الرجل المهيب بهيئته، وكان قد مد رجله بين أصحابه، فكف رجله؛ ظنًّا منه أن هذا الرجل من أكابر العلماء، وجعل يقرر، أظنه يقرر في أوقات النهي.

طالب: لا، في الصيام.

<<  <  ج: ص:  >  >>