أعيد المثال مرة ثانية: رجل يصطاد صيدًا، فأصاب إنسانًا فقتله ومات، هذا أول دور من أدوار القصة، فطالب أولياء المقتول القاتل بأن يدفع الدية، فأنكر القاتل يقول: ما قتلته، فأتى أولياء المقتول بشهود يشهدون بأن هذا الرجل قتل مورِّث هؤلاء خطأً، هذا الدور الثاني، فقامت عاقلة القاتل، لما ثبت عليه القتل بالشهود هؤلاء قامت العاقلة -عاقلة القاتل- وقالت: هؤلاء الشهود فسقة؛ يشربون الخمر، ويزنون، ويأكلون الربا، وجرحوهم، تقبل؟
طلبة: لا تقبل.
الشيخ: لا تقبل شهادة العاقلة بجرح هؤلاء الشهود، لماذا؟ لأنه إذا ثبت القتل أُلْزِمُوا بالدية، ألزم العاقلة هذه بالدية، فإذا شهدوا بجرح الشهود معناه أنهم يدفعون عن أنفسهم ضررًا، وحينئذٍ لا تقبل. وهذا مثال لا حصر، فالقاعدة اللي عليها العمدة: كلما كان الإنسان يدفع بشهادته ضررًا عن نفسه فإن شهادته لا تقبل.
المهم أن نقول: كلما كان الشاهد يشهد شهادة تتضمن دفع ضرر عن نفسه فإنها لا تقبل، التهمة فيها واضحة ولَّا لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم.
قال المؤلف رحمه الله:(ولا عدوٍّ على عدوه) ما تقبل شهادة العدو على عدوه، لماذا؟ لأنه متهم، هذا عدوه يشهد عليه؟ ! متهم، كلٌّ يقول .. ، حتى نفس المشهود عليه يقول: هذا عدوي، ما تقبل شهادته.
لكن المراد بالعداوة هنا عداوة الدنيا لا عداوة الدين؛ لأنه لو كانت عداوة الدين لم نقبل شهادة السُّني على البدعي؛ لأن السني عدو للبدعي، تقبل شهادته عليه ولَّا ما تقبل؟ تقبل، لكن العداوة لغير الدين لا تقبل شهادة العدو على عدوه، وسيمثل المؤلف لهذا، لماذا؟ لأنه مُتَّهم، كل إنسان عدو لشخص وده أنه يلحقه الضرر؛ فلهذا لا نقبل شهادته.
وإذا كان السبب في ذلك التهمة فإننا نرجع إلى ما قلنا في الأصول والفروع؛ وهو: إذا كان هذا العدو مبرِّزًا في العدالة، لا يمكن أن يشهد على أي إنسان إلا بحق حتى ولو كان عدوه فإننا نقبل شهادته، لماذا؟ لعمومات الكتاب والسنة.