كذلك لو فُرِضَ أنه حين حُكم لفلان على فلان جاء المحكوم له فأبرأه؛ قال: أنا ما أنا مسامحك، الآن ما دام ثبت حقي، أهم شيء عندي أنه يثبت ولا يظهر للناس أني أنا المخطئ والآن أنت في حِلٍّ، مسامحك، ثم بعد ذلك رجع الشهود، فهل يرجع المبرَأ ولَّا لا؟ ما يرجع، ليش؟ لأنه أبرأه صاحب الحق ولم يضمن شيئًا؛ يعني هو الآن يقول: أنا لي وجهة نظر، ويش وجهة نظري؟ لما شهدا به لي ثبت لي ولَّا لا؟ ثبت لي، ولكن لما أبرأته الآن فإنني لا أرجع عليهما؛ السبب: لأني أنا الذي أسقطه ولم يَخْسَر المشهود عليه شيئًا، فلا رجوع حينئذ؛ يعني أن المشهود عليه لما شهد، ما هو ثبت للمشهود له على المشهود عليه ألف درهم، فجاء المشهود له فأبرأ المشهود عليه، فهنا لا يرجع المشهود عليه على الشهود؛ لأن المشهود عليه الآن أُسْقِطَ عنه الحق، فكيف يرجع وهو لم يضمن.
إذن انتبهوا للمسألة؛ صار إذا رجع الشهود بعد الحكم، سواء قبل الاستيفاء أو بعده، لم يُنقَض الحكم، يبقى كما هو، ولكن الضمان يكون عليهم إلا في صورتين:
الصورة الأولى: إذا صدَّقهم المشهود له، فإنه إذا صدقهم بالرجوع لا يجوز أن يأخذ شيئًا يعتقد أنه ما هو له.
والثانية: إذا أُبْرِئ المشهود عليه فإن المشهود عليه لا يرجع عليهما.
طالب: المشهود له يا شيخ.
الشيخ: المشهود عليه؛ لأن المشهود له أبرأ، المشهود عليه ما يقول: والله أنتم ألزمتموني حقًّا وأسقطه غيركم، أعطوني إياه؛ لأننا نقول: أنت الآن لم تُضَمَّن شيئًا حتى تضمنهما، وما دمت لم تضمن شيئًا فلا شيء لك.
ثم قال المؤلف رحمه الله:(وإن حَكَمَ بشاهد ويمين ثم رجع الشاهد غَرِمَ المال كلَّه).