نحن قلنا: أُكْرِه على خمسين أوقية من الفضة وليس عنده شيء، فباع مُلْكَه لتسديد ما أُكْرِه عليه، فالبيع صحيح، ووجهه أنه لم يكره على العقد، إنما أُكْرِه على مال مُعَيَّن يجيبه من قيمة ملكه أو يجيبه من قرض أو من أي شيء.
ولكن هل يصح الشراء منه؟ البيع صحيح، فهل يصح الشراء منه؟ نعم، إذا صح البيع صح الشراء.
هل يكره الشراء منه؟ الفقهاء -رحمهم الله- يقولون: إن الشراء منه مكروه؛ لأن بيعه بيع اضطرار، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر (٦)، وهذا الرجل مضطر إلى بيعه، ولكن الصحيح أنه لا كراهة؛ لأننا لو كرهنا ذلك لكان هذا سببًا لزيادة العقوبة عليه، كيف؟ إذا قلنا للناس: لا تشتروا منه، وهؤلاء يضربونه صباحًا ومساءً على أن يسدد لهم خمسين أوقية من الفضة، وقلنا: لا تشتروا البيت، إذن ستبقى عليه عقوبة الإكراه دائمًا، فالصحيح أنه لا يكره الشراء منه، بل لو قيل باستحباب الشراء منه من أجل فكاكه من هذا الألم؛ لكان له وجه، وأما النهي عن بيع المضطر، فالمراد به أن يُضطر إنسانٌ لشيء يجب عليك بذله له، فلا تعطه إلا ببيع، فيكون من باب إضافة المصدر إلى مفعوله، لا من باب إضافة المصدر إلى فاعله.
يقول:(ومن أَقَرَّ في مَرَضِه بشيءٍ فكإقْرارِه في صِحَّتِه إلا في إقرارِه بالمالِ لوارثٍ فلا يُقْبَلُ).
انتبه، من أقر في مرضه فكإقراره في صحته، والمرض مَرَضَان: مرض مَخُوف، ومرض غير مَخُوف، فالمرض المخوف: ما لا يَستغرب الناسُ الموتَ به، هذا المخوف، وغير المخوف عكس ذلك، فمثلًا: المرأة إذا أخذها الطلق فمرضها مخوف؛ لأنها لو ماتت من هذه الولادة ما استغرب الناس، والإنسان المصاب بذات الجَنْب، وبالكوليرا، وبالسرطان وما أشبهها، لو مات الإنسان بهذا المرض لقال الناس: هذا مرض يقتل عادة فلا يُستغرب.