(إنْ أَقَرَّ أنه وَهَبَ وأَقْبَضَ) يعني قال: إني وهبتُ هذا الكتابَ زيدًا وأَقْبضتُه إيَّاه. وإنما أردفَ قوله: وأقبضْتُه إيَّاه، من أجْل أن تكون الهبةُ لازمةً؛ لأن الهبة لا تَلْزم إلا بالقبض؛ لو قال: وهبتُه، ولم يقل: وأقبضتُه، ما لَزِمت الهبة؛ لأن الواهب إذا لم يُقْبِض الهبة فله أن يرجع؛ لو قال: يا فلان أنا وهبتُك هذا الكتاب، ولكن ما أَقْبَضَه إيَّاه فله أن يمنع الهبة ولا يُقْبِضَها، لكن إذا أَقْبَضَها صارتْ لازمة.
فهذا الرجل أَقَرَّ أنه وهب وأَقْبَضَ، ثم بعد ذلك قال: ما أقبضتُ. قلنا: ألستَ قد أقررتَ أنك وهبتَ وأَقْبضتَ؟ قال: بلى، ولكني ما أقبضتُه. ثم قال: حَلِّفوه أنه قَبَض. لأن الموهوب له الآن أن يدَّعِي أنه قابض من أجْل أن تَلْزم الهبة، الْمُقِرُّ يدَّعِي أنه لم يُقْبِض من أجْل ألَّا تلزم، هو قال -المقِر-: اسألوه، حلِّفوه أني أَقْبضتُه، و ( ... ) لا تكون الهبة لازمة. يقول المؤلف:(له ذلك).
سيقول الخصم: لا أحلف، كيف أحلف على شيءٍ هو أقرَّ به؟ ! أَلَمْ يُقِرَّ عندك أنه قال: وهبتُه وأقبضتُه. ويش الجواب؟ بلى، إذَن يقول: ليش تحلِّفونني؟ ! لماذا تحلِّفونني؟ ! تحلِّفونني على شيءٍ أَقَرَّ به خصمي؟ ! أنا لن أحلف. فماذا نقول؟
طالب: حَيْدة هذه.
الشيخ: لا، ما هي حَيْدة.
طالب: نقول: ما يضرُّك. يا شيخ.
الشيخ: طيب، نقول: إنْ كان صادقًا أنه لم يُقْبِضْك فأنتَ حلفْتَ واستحقَقْتَ الموهوبَ له، وإنْ كان صادقًا في إقراره أنه وهبَ وأقْبَضَ فاليمين لا يضرُّك، اليمين نافع لك على كل حال، لماذا لا تحلف؟ قال: ما أحلف، سبحان الله! رجُل يقول لي: إني واهبك ومُقبضك، وتقولون لي: احلفْ أنه مُقبضك؟ ! هو يقول إني مُقبضك.