وهنا مسألة، وهي أن بعض الناس أخيرًا بحرصهم على السنة وتطبيق السنة أخطؤوا في فهم السنة، فصاروا يظنون أن معنى أقوال الصحابة: حتى يلصق الرجل كعبه بكعب أخيه (٢)، أن معناها أن تفرج بين رجليك، وهذ غلط، لو كان هذا هو المراد لقال: حتى كان الرجل يفرج بين رجليه، حتى يَمَسَّ كعبُه كعبَ صاحبه، وهذا غير مراد بلا شك، ولو كان هو المراد لبَيَّن.
وإنك لتأتي بعض المساجد يتخذون هذا هو السنة، وعليهم بنطولات، فتجد رجليهم ( ... ) كدا كأنهم هرم، نعم الأعلى منضم والأسفل متوسع، هذا ما هو صحيح، ولهذا قال عمر رضي الله عنه لأبي موسى: الفهمَ الفهمَ فيما يلقى إليك (٣)، لازم أن تفهم النصوص على مرادها، على مراد الله ورسوله.
ولكن هل المراد بالتراصِّ التراصُّ الذي يشق فيه الإنسان على أخيه؟ الجواب: لا؛ لأن هذا يؤذي أخاك، ويفوته مثلًا التورك، ويفوته الجلوس على وجه الطمأنينة، فالمراد بالتراص ألَّا يكون بينكما فُرَج، أما أن ترص حتى إنه يتأذى بهذا فهذا غلط.
قول المؤلف رحمه الله:(تسوية الصف)، أفادنا أن التسوية سُنَّة، ولكنَّ في هذا نظرًا، وكيف تكون التسوية سنة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«عِبَادَ اللهِ -شف يخاطب العباد بالنداء- لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ»(٤)، وهذا وعيد، والوعيد هل يكون على فوات سنة؟ لا، بل لا يكون إلا على ترك واجب، أو فعل محرَّم.
وانظر إلى قوله:«لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ»، قيل: معناه أن يستدير الوجه، فواحد يستدير عن يمين، وواحد يستدير عن يسار، ولا يستطيع ينظر على وجه الاعتدال، يعني تلوى رقبته، وبعضهم يقول: بين وجوهكم، أي: بين قلوبكم، فيكون الوجه هنا بمعنى القصد، ومعلوم أنه إذا اختلفت المقاصد تفرقت الأمة، وحصل الضرر العظيم.
والصحيح أن تسوية الصف واجبة، أولًا: لهذا الحديث الذي فيه الوعيد.