للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستدلوا لذلك بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يشترط وقال: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» (٢)، فمقتضى هذا القول ألَّا نشترط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط، ولهذا أنكر ابن عمر على من يشترطون، وقال: ما هذا؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم أَحْرَمَ ولم يشترط، و {لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: ٢١].

ومنهم من قال: يشترط مطلقًا، وهذا القول ضعيف جدًّا، كيف يمكن أن نقول: اشترط مطلقًا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشترط، من أين لنا هذه السنة؟

ومنهم مَن فَصَّل، وقال: مَن خاف من عائق يمنعه من إكمال النسك فليشترط، ومَن لا فلا.

وهذا القول هو الصواب الذي به تجتمع الأدلة، ونجيب عمن أنكر الاشتراط بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط؛ لأنه لا يخاف عائقًا، وإذا خاف عائقًا فإنه يشترط بالسنة القولية، وذلك أن ضُبَاعة بنت الزبير شكت إلى النبي عليه وعلى آله وسلم أنها تحج وهي شاكية، فقال لها: «حُجِّي وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي؛ فَإِنَّ لَكِ عَلَى رَبِّكِ مَا اسْتَثْنَيْتِ» (٣)، أسمعتم؟

طلبة: نعم.

الشيخ: وهذا القول هو الوسط، وهو الذي به تجتمع الأدلة.

القول الأول الذي يقول بالاشتراط مطلقًا فيه أيضًا مضرة ثانية، أي: مع كونه خلاف السنة فيه مضرة ثانية، وهي أن الإنسان إذا مات بالإحرام وقد قال: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني ..

طالب: يَحِلّ.

الشيخ: يَحِلّ، وحينئذ يفوته أن يُحْشَر يوم القيامة؟

طالب: مُلَبِّيًا.

الشيخ: مُلَبِّيًا، وهذه ميزة عظيمة تفوته إذا اشترط، ولذلك الصواب هو القول المفصَّل، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

والغالب على اختيارات هذا الرجل -أعني ابن تيمية- أنها موفَّقَة للصواب، رحمه الله وجزاه الله خيرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>