لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة في عمرة القضية قال المشركون بعضهم لبعض: إنه يقدم عليكم قوم وهنتهم حمى يثرب، يعني أضعفتهم، وكانت المدينة النبوية مشهورة بالحمى حتى دعا النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يرفع الحمى عنها إلى الجحفة، فاجتمعوا نحو الشمال، شمال الكعبة، من أجل أن يشمتوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولكن الله أعلم نبيه بذلك، أو أتاه علم بأي وسيلة، فأمر أصحابه أن يرملوا من الحجر إلى الركن اليماني وأن يمشوا ما بين الركنين؛ لأن ما بين الركنين لا يشاهده قريش، يحول بينهم وبين رؤية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه بناية الكعبة، هذا أصل الرمل، لكن في حجة الوداع رمل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الحجر إلى الحجر؛ لأنه لا حاجة إلى أن يمشي ما بين الركنين، فصار الرَّمَل سُنَّة ثبتت بفعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لكن إذا كان هناك مشقة بحيث يتأذى به أو يؤذي به فإنه لا يفعل؛ لأن ترك السُّنة درأً للأذى خير مع فِعل السنة مع الأذى، وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال لعمر:«إِنَّكَ رَجُلٌ قَوِيٌّ فَلَا تُزَاحِمْ فَتُؤْذِيَ الضَّعِيفَ»(٦).
قال العلماء: وإذا دار الأمر بين أن يدنو من الكعبة، أو يرمل ويُبعد فالرمل مع البعد أولى؛ لأن الرمل يتعلق بنفس العبادة، والقرب يتعلق بمكان العبادة.
وقوله:(الآفقي) عُلِم منه أن المكي لا يرمل، وهو كذلك؛ لأن هذا إنما ورد في القادم إلى مكة فيقتصر على ما ورد.
قال:(ثم يمشي أربعًا) لو رمل في كل الطواف فهو مبتدع، ويُنهى عن ذلك مع ما فيه من الإشقاق على النفس.
(ثم يمشي أربعًا ويستلم الحجر والركن اليماني كل مرة) والاستلام هو مسحه باليد اليمنى، والركن اليماني هو الذي يليه الحجر؛ يعني الذي يليه الركن الذي فيه الحجر، ويطلق عليهما الركنين اليمانيين؛ لأنهما من جهة اليمن.