للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعُلم من كلام المؤلف أن الشامي والغربي لا يُستلمان وهو كذلك، وقد طاف معاوية رضي الله عنه وهو خليفة ومعه ابن عباس رضي الله عنهما، فجعل معاوية يستلم جميع الأركان فقال له ابن عباس: كيف تفعل هذا؟ قال: ليس شيء من البيت مهجورًا. فقال له: إن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت ولم يستلم إلا الركنين اليمانيين، وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: ٢١]. فقال معاوية: صدقت (٧).

ترك الاستلام، وفي هذا دليل على انقياد الصحابة رضي الله عنهم لسنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن معاوية كف عن هذا بمجرد أن قال له عبد الله بن عباس: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستلم ذلك، وفيه أيضًا دليل على تقديم النص على القياس، وهو واجب، ومعارضة النص بالقياس من سبل إبليس؛ لأن الله لما أمره أن يسجد لآدم قال: أنا خير منه، يعني وما كان للخير أن يسجد لمن هو دونه، ولكن هذا -أعني تقديم القياس على النص- باطل على أن النص الصحيح لا يخالف العقل الصريح والنظر السليم.

فإن قال قائل: ما الحكمة في أن الشامي والغربي لا يستلمان؟

قلنا: الحكمة أنهما ليسا على قواعد إبراهيم؛ وذلك لأن قريشًا لما أرادت أن تبني الكعبة جمعت المال، فنقص المال عن إتمام الكعبة على قواعد إبراهيم، فرأوا أن يحطموا جانبًا منها ويخرجوه من البناية، ويبنوا ما يمكن أن تكفي فيه النفقة، فحطموا جانبًا منها، ويسمى هذا الآن الحِجر، ويسمى الحطيم؛ لأنه حطم، ومقداره نحو ستة أذرع أو سبعة؛ يعني ليس كل الحِجر من الكعبة، وما قيل: إن قبر إسماعيل في الحجر فكذِب لا أصل له.

<<  <  ج: ص:  >  >>