يقول:(الركن اليماني في كل مرة، ومن ترك شيئًا من الطواف أو لم ينوِه أو نسكه) إلى آخره، من ترك شيئًا من الطواف لم يصح؛ لأنه لا بد أن يكون الطواف سبعة أشواط، فلو نقص شيئًا منه لم يصح كما لو نقص من الصلاة ركعة أو سجدة.
(أو لم ينوِه) يعني لم ينوِ الطواف، وإنما فعله كسائر النسك، وهذا يقع كثيرًا حينما يأتي الإنسان، ويرى الزحام يذهل، ويطوف وينسى أن ينويه.
(أو نسكه) يعنى لم ينوِ أنه للعمرة مثلًا، أو أنه للقدوم، أو أنه للإفاضة، أو أنه للوداع، فصار عندنا لا بد من نيتين: الأولى: نية الطواف، والثانية: التعيين، أنه للنسك الفلاني، فلو نواه ولم ينوِ أنه للنسك المعين لم يصح، هذا ما ذهب إليه الحنابلة رحمهم الله، والقول الثاني وعليه أكثر العلماء أنه لا يشترط فيه النية، وأنه تكفي النية الأولى عند الميقات. ومن المعلوم أن الطواف جزء من النسك فلا تُشترط نيته كما لا تُشترط نية الركوع في الصلاة أو نية السجود.
ونحن جميعًا نعلم أنه لن يفعل عاقل فعلًا باختياره إلا وقد نواه، لكن الذي قد يقع كثيرًا أنه لم ينوِ النسك، يعني ينوي الطواف ويغفل أنه عن عمرة، أو وداع، أو إفاضة، أو تطوع، هذا يقع كثيرًا لا سيما مع الزحمات والمشقة، والصحيح أيضًا أنه لا يشترط أن ينوي نسكه كما لا يشترط أصلًا أن ينويه، وأنه لو غفل ولم يذكر إلا بعد أن مضى شوط أو شوطان أو أتم الطواف صحيح، وهذا فيه تيسير على الناس، ونظيره من بعض الوجوه أنه لا يُشترط تعيين الصلاة لمن أراد أن يصلي، مثلًا دخل وقت الظهر، ثم جئت للمسجد وكبَّرت وغفلت عن نية أنها الظهر، الصحيح أن الصلاة صحيحة؛ لأنك إنما جئت لتؤدي فريضة هذا الوقت وأنت الآن في أي وقت؟ الظهر، فمن لازم أنك تريد تعيين صلاة هذا الوقت حصل التعيين، وهذا -أعني المسألة الثانية- رواية عن الإمام أحمد رحمه الله.