قلنا: الأثر المشهور: «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ فِيهِ الْكَلَامَ»(٩). وهذا الأثر لا يصح مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إنما صح موقوفًا عن ابن عباس، وهو محل اجتهاد، وهذا أيضًا لا يصح لا طردًا ولا عكسًا، يعني لا يصح أن يكون صلاة ويستثنى فيه مسألة واحدة وهي إباحة الكلام؛ لأنه يفارق الصلاة في أشياء كثيرة ليس فيه تكبيرة إحرام، ولا قراءة فاتحة، ولا ركوع ولا سجود، ولا استقبال قبلة، بل لو طُفت وأنت مستقبل القبلة لم يصح طوافك، ويجوز فيه الأكل والشرب، يعني يفارق الصلاة في أكثر مما يوافقها فيه، فكيف يصدر من النبي صلى الله عليه وسلم المعصوم حكم تكون المخالفة فيه أكثر من الموافقة ثم نلحقه بما ألحق به؟ هذا بعيد جدًّا.
فالصواب أن الطواف بالبيت ليس صلاة بل هو طواف عبادة مستقلة كالاعتكاف تمامًا:{طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ}[البقرة: ١٢٥]، الاعتكاف عبادة مستقلة.
فإن قال قائل: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم طاف طاهرًا بدليل أنه صلى ركعتين بعد الطواف مباشرة ولم يُنقل أنه توضأ.
قلنا: نعم، نحن لا ننكر أن يكون الإنسان في الطواف على طهارة خير من أن يكون على غير طهارة؛ لأنها ذكر وعبادة، وينبغي أن يتطهر لها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للرجل الذي سلَّم عليه ولم يرد عليه حتى تيمم، قال:«كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إِلَّا عَلَى طُهْرٍ»(١٠).