للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قال قائل: ما هي الحكمة في كون السعي بين الصفا والمروة على هذا الوجه؟

فالجواب أن يتذكر الإنسان حال أم إسماعيل رضي الله عنها، فإن إبراهيم الخليل عليه السلام ترك أم إسماعيل وابنها إسماعيل في هذا المكان، وترك عندهما جرابًا وسقاء؛ جرابًا من تمر وسقاء من ماء، فجعلت الأم تأكل من التمر وتشرب من الماء وتسقي ولدها اللبن، ثم نفد الماء والتمر، وجاع الصبي؛ لأن لبن الأم توقف، فنظرت المرأة إلى أقرب جبل عندها فوجدته الصفا، فذهبت وصعدت تتسمع؛ لعلها تسمع أحًدا، ما سمعت، ثم نزلت تمشي وعينها إلى صبيها، فلما نزلت الوادي غابت عن الصبي فركضت ركضًا شديدًا؛ خوفًا على ابنها من السباع، ولما صعدت مشت حتى وصلت المروة وصعدت عليه تتحسس لعلها تجد، فلما أتمت السبعة أشواط جاءها الفرج من الله عز وجل؛ إذا بجبريل ينزل بأمر الله عز وجل ويضرب الأرض؛ إما بجناحه أو قدمه، على اختلاف الروايتين، أو فيهما جميعًا، وإذا بالماء ينبع؛ ماء زمزم ينبع، نهر، من شدة شغفها بالماء وخوفها أن يتسرب يمينًا وشمالًا جعلت تحجره حتى يبقى، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، لَوْ تَرَكَتْ مَاءَ زَمْزَمَ لَكَانَ عَيْنًا مَعِينًا» (٣)، عين تنبع على سطح الأرض، ولكن الحكمة لله عز وجل، والحمد لله، لو كان كذلك لشق على الناس أن يبقوا في المسجد ويطوفوا ويصلوا، ولكن من رحمة الله أنها حجَّرته حتى صار في البئر، وجعلت تشرب من هذا الماء ويغنيها عن الطعام والشراب، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» (٤). إن شربته لعطش رويت، لجوع شبعت، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فَلِذَلِكَ سَعَى النَّاسُ» (٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>