أما وجوب الهدي فظاهر من قوله تعالى:{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}، وأما كونه يلزمه أن يصوم عشرة أيام إذا فقده ففيه نظر؛ لأن ظاهر ما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم حين صده المشركون في غزوة الحديبية أنه لم يأمر الفقراء أن يصوموا عشرة أيام، مع أن أكثر الذين مع الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا فقراء، والهدي اللي معهم لا يبلغ ألفًا وأربع مئة، وإن كانو ألفًا وأربع مئة، والهدي الذي معهم لا يبلغ ألفًا وأربع مئة، ولم يقل: من لم يجد هديًا فليصم عشرة أيام، والأصل براءة الذمة ولو كان صيام الأيام واجبًا لبيَّن الله في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وعلى هذا فنقول: إن كان معه هدي تحلل به، وإن لم يكن معه هدي فلا شيء عليه، يتحلل فلا شيء عليه. وظاهر كلام المؤلف أنه لا يجب الحلق إذا أُحصِر، وهذا أحد القولين في المسألة، والقول الثاني: أنه يجب عليه الحلق إذا أُحصر، وهذا القول أصح؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر أصحابه أن يحلقوا، ولما رآهم تباطئوا غضب عليه الصلاة والسلام، حتى دخل على أم سلمة وهو غضبان وأخبرها بما جرى، فقالت: يا رسول الله، اخرج إليهم وادع بالحلاق واحلق رأسك. ففعل عليه الصلاة والسلام؛ خرج ودعا بالحلاق فحلق رأسه، فكاد بعضهم يقتل بعضًا (١٧) يتزاحمون على الحق؛ لأنهم علموا أنه ما فيه مجال الآن، ما فيه مجال للنسخ ولا للتصميم على دخول مكة.
إذن الصواب أن المحصَر يجب عليه الهدي إن تيسر، وإن لم يجد سقط، وأنه يجب عليه الحلق أو التقصير؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بذلك.
وقول المؤلف رحمه الله (صده عدو) ظاهره أنه لو صده غير عدو فإنه لا يتحلل، كما حُبس بمرض، رجل حصل عليه حادث وهو محرِم، ولم يستطع أن يكمل النسك، أو ضاعت نفقته ولا يمكن أن يستمر، أو ما أشبه ذلك، المهم هل نقول: كل شيء يمنع من إتمام النسك فحكمه كمنع العدو؟