وهذا الاستنباط من ابن عباس قريب جدًّا؛ لأنها في هذه الحال تُشبه العِينة من بعض الوجوه، وإذا كان ابن عباس رحمه الله ورضي الله عنه يرى هذا التعليل -وهو صحابي جليل فقيه:«اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»(٨) - فإنه يدلك على قبح المعاملات المشهورة الآن، والتي يسمونها التقسيط؛ بأن يختار المشتري سلعة معينة، ثم يذهب إلى تاجر من التجار، ويقول: اشترها لي، ثم بِعْها عليَّ بربح، هذا واضح أنه ربا، ولا يخفى إلا على إنسان لم يتأمل؛ لأن حقيقته أنه أقرضه الثمن بزائد، فبدلًا من أن يقول: أعطني مثلًا قيمة هذه السلعة وأعطيك فيها ربحًا، قال: اشترها لي، ثم بِعْها عليَّ، والتاجر لم يُرِد الشراء إطلاقًا، ولولا هذا ما اشتراها ولا بفلس واحد، فواضح أن المقصود هو الربا، واضح جدًّا، ولا يُشكل على إنسان إذا تأمل.
وإذا كان ابن عباس رضي الله عنهما يرى أن العِلَّة في النهي عن بيْع الشيء قبل قبضه هو أنه يُشبه بيع الدراهم بالدراهم مع تأخير القبض، فهذه من باب أولى وأعظم وهي واضحة جدًّا، لكن مع الأسف أن الناس الآن انكبوا عليها انكبابًا عظيمًا.
ثم إن هؤلاء ينكرون إنكارًا عظيمًا على الذين يتبايعون بالربا الصريح، مثل البنوك، البنك يقول: خُذْها هذا الألف بألف ومئة صراحةً، وهذا يقول: خذ هذا الألف بألف ومئة، لكن مع اللف والدوران، ومعلوم أن من يأتي الشيء صريحًا أهون مما يأتيه مخادعةً، لأن المخادعة يكون الإنسان قد وقع في مفسدة الربا مع مفسدة الخداع، ثم إن الذي يأتي الشيء بخداع يأتيه وكأنه أمر حلال، لا يكن عنده خشية لله عز وجل أو يرى أنه مذنب فيخجل من الله، أو أنه مذنب، فيحاول أن يستعتب، لا، يرى أن هذا مباح، وأنه سيستمر عليه، لكن من أذنب ذنبًا صريحًا فسيكون في قلبه شيء من خشية الله عز وجل، وخوف العقوبة والإنابة إلى الله عز وجل.