(إن تلف) الضمير يعود على المكِيل ونحوه مما بِيع إما جزافًا أو بتقدير، وإما بتقدير فقط، المذهب أنه إذا كان بتقدير، يعني بِيع المكيل كيلًا، والموزون وزنًا، والمعدود عدًّا، والمذروع ذرعًا، فهذا إذا تلف قبل القبض فمن ضمان البائع، وبعد القبض يكون من ضمان المشتري.
مثال ذلك: بعتُ عليك هذا الكيس من الحنطة، كل صاع بعشرة دراهم، وقبل أن نكيله تلف إما بسرقة، أو بأمطار حملته، أو ما أشبه ذلك، فالضمان على مَنْ؟ الضمان على البائع، فإن بعته جُزافًا هكذا، بعت عليك كيس هذه الحنطة بكذا، فعلى كلام المؤلف، على ظاهره أنه لا فرْق بين أن أبيعه مُكايلة أو جُزافًا، وعلى القول الثاني أنه إذا بِيع جزافًا فهو من ضمان المشتري، ويصح تصرُّفه فيه.
يقول:(إن تلف قبل قبضه، فمن ضمان البائع)، ثم فسَّر رحمه الله فقال:(وإن تلف بآفة سماوية بطل البيع).
قوله:(بطل) بمعنى انفسخ، وذلك لأن هذا التلف حصل به الانفساخ دون البطلان، البطلان يكون لفوات الشرط أو وجود مانع، وهنا لا فوات شرط ولا وجود مانع، فيجب أن يُفسَّر البُطلان بأنه الانفساخ، وهذا كقوله فيما سبق:(تحالفا وبطل البيع)، وقلنا: إن الصواب انفسخ البيع.
(إن تلف بآفة سماوية بطل البيع)، والآفة السماوية: كل ما لا صُنع للآدمي فيه، مثل أمطار أتلفته، صاعقة أحرقته، رياح حملته، إلى غير ذلك، فالآفة السماوية هي التي ليس للآدمي فيها صنع، والمثال: رجل باع على شخص كيس حنطة كل صاع بكذا، ثم أتى السيل فحمله وأفسده وذهب به، فالتلف هنا بآفة سماوية، أو نزلت صاعقة فأحرقته، أو هبَّت رياح فحملته، فالضمان على البائع، فإن كان قد استلم الثمن ردَّه على المشتري، وإن كان لم يستلمه فهو عند المشتري.