للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والقول الثاني: إنه لا يجوز أن يتصرف في المبيع قبل قبضه مطلقًا في كل شيء. وهذا ما ذهب إليه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حيث قال: ولا أحسب كل شيء إلا مثله (٤)، وهو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال: إن المبيع لا يباع قبل القبض مهما كان، سواء بيع بكيل أو وزن أو عَدٍّ أو ذرع أو رؤية سابقة أو صفة، لا يمكن أن يباع حتى يقبض، وهذا هو الذي يؤيده الحديث؛ حديث ابن عمر: أنهم كانوا يبيعون الطعام جزافًا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في السوق، فنهاهم أن يبيعوه حتى ينقلوه (٢)؛ يعني: إلى مكان آخر.

واستدل المؤلف أو الشارح لهذه المسألة بحديث ابن عمر قال: كنا نبيع الإبل بالبقيع بالدراهم -وفي لفظ: بالنقيع بالدراهم- فنأخذ منها الدنانير وبالعكس -يعني: بالدنانير فنأخذ الدراهم- فسألنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال: «لَا بَأْسَ أَنْ تُؤْخَذَ بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ يَفْتَرِقَا وَبَيْنَهُمَا شَيْءٌ» (٥).

والحديث دليل، وهو لا يطابق المدلول، وجه ذلك: أن الحديث إنما هو بيع ما في الذمة وليس بيع شيء معين؛ كانوا يبيعون الإبل بالدراهم، الدراهم أين هي؟ معينة ولَّا ثابتة في ذمة المشتري؟ ثابتة في ذمة المشتري. ويبيعونها بالدنانير؛ ثابتة في ذمة المشتري، فيأخذون عن الدراهم دنانير، وعن الدنانير دراهم.

وكلامنا نحن في الشيء المعين هل يجوز أن يُبَاع قبل أن يقبض أو لا؟ وعليه فلا دلالة في الحديث لما استدل به المؤلف عليه؛ الشارح، وأنا سقت هذا الحديث لفائدة غير مسألة أنه دليل أو غير دليل؛ وهي أنه يجوز بيع الدين على من هو عليه، بشرطين: الشرط الأول: أن يكون بسعر يومه. والثاني: أن يتقابضا قبل التفرق، لكن هذا فيما يُشْتَرط فيه التقابض؛ كالدراهم بالدنانير والدنانير بالدراهم، والبر بالشعير والشعير بالبر، وما أشبهها.

<<  <  ج: ص:  >  >>