وهذه تجري كثيرًا، ربما يكون المشتري لم يهيئ مكانًا للسلع، أو أراد أن يضار البائع بشغل مكانه بسلَعِهِ التي باعها، فحينئذٍ نقول: إنه من ضمان المشتري؛ لأنه هو الذي امتنع من قبضه الواجب عليه.
فصار البائع إذا منع المشتري من قبض ما يجب عليه إقباضه فالضمان عليه، وكذلك إذا امتنع المشتري من قبض ما يجب عليه قبضه فإن الضمان ينتفي عن البائع حتى في الأمور التي ضمانها على البائع.
فإذا باع عليه برًّا وكال له، ثم قال له البائع: ياللا امشِ كل، ولكنه امتنع قال: انتظر، انتظر، ثم تلف، فالضمان على المشتري وليس على البائع؛ لأن البائع بذل ما يجب عليه والمشتري هو الذي تأخر وفرَّط، ولأنه ربما يؤدي ذلك إلى المضارة بالبائع؛ بحيث يحبس المبيع عنده حتى يتضرر بشغل مكانه.
يقول:(ما لم يمنعه بائع من قبضه) وسبق لنا أن المبيع برؤية أو صفة من ضمان من؟ من ضمان البائع، وأن الثمر على رؤوس النخل كذلك من ضمان البائع.
ثم قال المؤلف مبينًا ما يحصل به القبض فقال:(ويحصل قبض ما بيع بكيل أو وزن أو عَدٍّ أو ذرع بذلك) المشار إليه ما سبق، فما بيع بكيل يحصل قبضه بكيله، ووزن بوزنه، وعَدٍّ بعده، وذرع بذرعه، ولا يكفي أن تستولي يد المشتري عليه، فلو فُرِضَ أن المشتري قبضه وهو مبيع مكايلة، ولكنه لم يكله، فإنه لم يقبضه حقيقة؛ لأنه لا يُقْبَض إلا بالاستيفاء؛ بكيل ما يكال، ووزن ما يوزن، وعدِّ ما يعد، وذرع ما يُذْرَع.
وظاهر كلام المؤلف أنه إذا حصل الكيل والوزن والعد والذرع جاز التصرف فيه وإن لم ينقله عن مكانه؛ لأنه حصل القبض، ولكن سبق لنا أن القول الراجح أن السلع لا تُبَاع حيث تُبْتَاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، وعلى هذا فلا يكفي الكيل حتى يقبضه، فيكون ما بيع بكيل أو وزن أو عَدٍّ أو ذرع بذلك لا يتم قبضه إلا بأمرين؛ الأول: حيازته، والثاني: استيفاؤه بالكيل أو الوزن أو العد أو الذرع. هذا هو القول الراجح في هذه المسألة.