للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فعليه إذا جاءك أخوك نادمًا وقال: أنا اشتريت منك هذا الشيء وليس بيننا خيار، والعقد لازم، لكني ندمت، فأرجو منك أن تفسخ العقد، فإننا نقول: يُسَن لك أن تفسخ رجاء هذا الثواب؛ أن الله تعالى يقيل عثرتك يوم القيامة.

ثم إن من المشاهد المحسوس أن الغالب أن الإنسان إذا أقال أخاه فإن الله تعالى يبارك له في المبيع وتزداد قيمته، وكم من أناس أقالوا بيعاتهم، ثم ارتفعت الأسعار فباعوها بأكثر من ثمنها الأول، وهذا جزاء دنيوي مقدم.

أما بالنسبة للمستقيل فهي مباحة لا حرج فيها، وليست من السؤال المذموم، ونظيرها العارية مباحةٌ للمستعير سنةٌ للمعير، والعلة في هذا أنها إحسان.

قال: (هي فسخ) هذا حكمها الوضعي؛ يعني: أنها فسخ لا بيع، فليست ابتداء عقد، وإنما هي فسخ؛ يعني: إلغاءً للعقد السابق. هذا معنى قوله: إنها فسخ، وليست تجديد عقد؛ ولهذا لا يُشْتَرط فيها ما يُشْترط في البيع، فتجوز -كما سيذكر المؤلف رحمه الله- (تجوز قبل قبض المبيع) ولو كان المبيع مكيلًا أو موزونًا.

فلو باع شخص على آخر كيسًا من البر؛ كل صاع بدرهم، فإنه لا يجوز أن يبيعه على أحد ولا على بائعه نفسه حتى يقبضه بالكيل، لكن لو استقال من البيعة وأقاله البائع صح، لماذا؟ لأنها ليست بيعًا، بل هي فسخ؛ أي: إلغاء للعقد الأول، فيُرَد ما كان على ما كان عليه، ولو قلنا: هي بيع ما جاز أن يقيله حتى يقبضه ويستوفيه؛ ولهذا قال: (تجوز قبل قبض المبيع).

(بمثل الثمن) أي: أنها لا تجوز إلا بمثل الثمن، فلا تجوز بزيادة ولا نقص، ولا اختلاف نوع أو اختلاف جنس.

مثال ذلك: اشترى هذا هذه السيارة بمئة دينار، ثم ندم المشتري وقال للبائع: أقلني، فقال: أقيلك بشرط أن تعطيني بدل الدنانير دراهم، فالإقالة هنا لا تصح، لماذا؟ لأنه أقاله بغير مثل الثمن -أقاله بنوع آخر- فلا يصح؛ إذ إنها انتقلت من الفسخ إلى المعاوضة والمصارفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>