إذن اندفع هذا الإيراد بأن تحريم ربا الفضل تحريمُ وسائل، وما كان تحريم وسائل فإنه يجوز للحاجة، هذا مثال.
مثال آخر: الحرير، الحرير حرام على الذكور، ويجوز أن يلبسه الإنسان للحِكَّة، إذا كان في الإنسان حِكَّة؛ التهاب في جسده، جاز أن يلبسه ليخفف هذه الحِكَّة، مع أن هذه ما هي ضرورة، لكن جاز؛ لأن أصل تحريم الحرير على الذكور أنه غير لائق بهم، وأنه وسيلة إلى أن يكون الإنسان الذكر الذي فضَّله الله بالرجولة بمنزلة مَنْ؟ بمنزلة الأنثى التي تُنَشَّأ في الحِلْيَة، ولهذا حُرِّمَ الذهب والحرير على الذكور.
مثال ثالث: آنية الفضة حرام، فإذا كان عند إنسان إناء من غير الفضة وانكسر، وأراد أن يلمّ بعضه إلى بعض بسلسلة من فضة فهذا جائز، مع أنه سوف يستعمل هذا الإناء وفيه شيء من الفضة، لكن يقال: يجوز للحاجة مع أنه في الأصل حرام؛ لأنه حُرِّم تحريم الوسائل؛ إذ إن الذهب والفضة استعمالهما في الأواني يؤدي إلى الفخر والخيلاء والاستكبار والتعاظم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«إِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ»(١٠).
والخلاصة الآن: إن قول المؤلف: (لا يجوز بيع رطبه بيابسه) تُسْتَثْنَى منه العرايا، وهي بيع الرُّطَب على رؤوس النخل بالتمر بالشروط التي سمعتموها.
فإن قال قائل: حاجة المشتري واضحة، يعني مُشْتَرٍ محتاج إلى رُطب فيشتري، لكن لو كان البائع محتاجًا لتمر وليس عنده مال إلا ما في رؤوس النخل من الرُّطَب، فهل يجوز أو لا؟ فاهمين الفرق بين الصورتين أو لا؟
الفرق بين الصورتين واضح، في العرايا التي ورد بها الحديث يكون المشتري هو المحتاج، محتاج لأيش؟ للرُّطَب.
أقول: الآن إذا كان صاحب الرُّطَب هو المحتاج للتمر، فهل يجوز أن ندفع حاجته إذا لم يكن عنده دراهم، ونقول: لا بأس أن تشتري تمرًا برُطَب بالشروط التي ذكرناها؟