يقول:(مرد الكَيْلِ) أي: مرد كون الشيء مكيلًا، أو كون الشيء موزونًا إلى عُرْفِ مكة والمدينة. الكيل نرجع فيه إلى عُرْف المدينة، فلو كان هذا الشيء مكيلًا في المدينة موزونًا في مكة أيهما نعتبر؟ المكيل في المدينة، ولو كان هذا الشيء موزونًا في مكة مكيلًا في المدينة رجعنا إلى مكة.
فعليه يختلف الحكم فيما إذا كان الإنسان في مكة، أو إذا كان في المدينة؛ إذا كان في المدينة فالمكيال مكيال المدينة، إذا كان في مكة فالميزان ميزان مكة.
فإن اتفق البلدان على كون الشيء مكيلًا أو موزونًا صار هذا الشيء مكيلًا أو موزونًا، سواءٌ كان في مكة أو في المدينة.
هناك أشياء لا يُعْرَف لها وزنٌ ولا كيلٌ في مكة والمدينة، فإلى أيِّ شيء نرجع؟
يقول المؤلف: نرجع إلى العُرْف في موضعه، فإن كان الناس يتبايعونه بالوزن فهو موزون، أو بالكيل فهو مكيل، أو بالعدد فهو معدود؛ لأنه ليس هناك ضابط نرجع إليه بالنسبة لمكة والمدينة.
وقال بعض العلماء: نرده إلى أقرب الأشياء شبهًا به في مكة والمدينة، فإذا كان أقرب الأشياء إليه الكيل بالمدينة فهو مكيل، أو الوزن في مكة فهو موزون.
وهذا القول من جهة أقرب إلى النظر؛ لأن ما لا يمكن فيه اليقين يُرجَع فيه إلى غلبة الظن، وقد يُقال: بل إنه إذا لم يكن له عُرْف في مكة والمدينة فإننا نطرح الشَّبَهَ ونقول: يُرجَع في ذلك إلى ما تعارفه الناس.
وهذا القولُ الثاني -من جهة السهولة على المسلمين والتيسير- أقربُ إلى الصواب؛ لئلا يحصل النزاع، فيقول مثلًا: هذا يشبه المكيل في المدينة، وهذا يشبه الموزون في مكة، فيقال: ما دام ليس له عرف في مكة والمدينة وإنما طرأ حديثًا فإننا نعتبر عُرْفَه في موضعه، هذا هو الذي مشى عليه المؤلف -رحمه الله- وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ الْمَدِينَةِ، وَالْمِيزَانُ مِيزَانُ مَكَّةَ»(٥).