ثانيًا: أن يكون بلا إذنه؛ أن ينفِق بلا إذنه على الرهن، فيُنظر أيضًا: هل يمكن أن يستأذن منه لكونه قريبًا، أو بالهاتف، أو بالمكاتبة؛ فإنه لا يرجع إلا إذا استأذنه، لا يمكن؛ لكون الراهن رجلًا مغمورًا دخل هذه المدينة العظيمة الواسعة ولا يُدْرَى أين هو؟ والرهن يحتاج إلى تعميرٍ عاجل، فهنا يُعمِّره ويرجع وإن لم يستأذنه؛ لأنه لا يمكن استئذانه، فصارت المسألة لها أحوال:
الحال الأولى: أن يكون الراهن قد أذن له بالتعمير، فهنا يرجع؛ لأنه صار وكيلًا له.
الثانية: ألَّا يأذن له بالتعمير ويتعذر استئذانه، فهنا يرجع أيضًا؛ حفظًا لأصل الرهن؛ لأنه لو لم يعمره ازداد خرابه وانتشر وفسد، وصار في ذلك ضرر على الراهن والمرتهن.
الحال الثالثة: ألَّا يأذن له بالتعمير، ويمكن استئذانه، ولكنه عمَّره بدون استئذان، فهنا لا يرجع؛ لأنه يمكنه أن يستأذن ولم يفعل، مسألة سهلة.
فإن قال المرتهن: أنا عمرته لأجل المصلحة لي وله؟
قلنا: وإذا كانت المصلحة لك وله فليكن التعمير منك ومنه؛ بمعنى أنك تعمِّر بإذنه، وحينئذٍ ترجع، أما إذا لم تستأذن منه مع إمكان إذنه فالنفقة عليك.
قال:(ولو لم يستأذن الحاكمَ) هذه إشارة خلاف؛ بعض العلماء يقول: لا يرجع حتى يستأذن الحاكم؛ بمعنى أنه إذا تعذر على المرتهن أن يستأذن من الراهن، قلنا له: الحاكم ينوب منابه، استأذِن منه، فإن لم تفعل فلا رجوع لك.
وهذا القول يزيد المسألة تعقيدًا؛ لأنه يحتاج أنه إذا تعذر استئذان المالك -وهو الراهن- ذهب إلى المحكمة، المحكمة لن تقبل منه بسهولة، ستقول: هات بينة على أنه يحتاج إلى تعمير، فإذا أتى بالبينة أذنت له، وهذا قد يصعب.
والصحيح ما ذهب إليه المؤلف؛ أنه لا يحتاج إلى إذن الحاكم، وأنه إذا تعذَّر استئذان الراهن -الذي هو المالك- فإن المرتهن يعمره ويرجع بنفقته، سواءٌ استأذن الحاكم أم لم يستأذنه.