وكذلك بالعكس: لو أحال بمئة صاع رديء على مئة صاع جيد فليس في ذلك شيء، ما هي محذورة؛ لأن المحيل الآن أحال بأيش؟ باختياره ولّا بإكراه؟ باختياره، كما لو أوفاه جيدًا عن الرديء، فالصواب أن الوصف إذا قُصد به الرداءة والجودة أنه لا بأس به.
وكذلك أيضًا (وقتًا)، وذلك فيما إذا كان الدَّينان مؤجلين، فلا بد من اتفاق الدينين في الأجل، فلا يحيل ما يَحِلُّ بعد شهر على ما يَحِلُّ بعد شهرين، أو ما يَحِلُّ بعد شهرين على ما يَحِلُّ بعد شهر؛ وذلك لعدم الاتفاق في الوقت.
وهذا أيضًا فيه نظر، أيُّ مانع يمنع إذا أحال بعشرة دراهم تحل بعد شهر على عشرة دراهم لا تحل إلا بعد شهرين ورضي المحال؟ ليس في ذلك أي ضرر، قد يقول قائل: إن هذه تشبه بيع الدراهم بالدراهم إلى أجل؟ فيقال: هذا ليس بيعًا، ولكنه استيفاء، ومن المعلوم أنه لو عجل المؤجَّل أو أجل المعجَّل، فإنه لا بأس به، فالصواب إذن أنه لا يشترط اتفاقهما في الوقت.
(وقَدْرًا) يُشترط أيضًا اتفاق الدَّينين قدرًا، فلا يحيل بعشرة على ثمانية، أما بثمانية على عشرة فلا بأس، ولهذا قال المؤلف:(ولا يؤثِّر الفاضل) يعني: الزائد في المحال عليه لا بأس به؛ لأنه كأنه أحاله على ثمانية من عشرة، وهذا لا بأس به.
فإن قال: أحلتك بثمانية على عشرة؛ ليقبض كل العشرة، فهذا لا يجوز؛ لأنه صار معاوضة، والمعاوضة بين جنسين ربويين لا بد أن يكون أحدهما مساويًا للآخر إذا كان الجنس واحدًا، ومعلومٌ أنه إذا اختلف الجنس فهو معاوضة من باب أوْلى.
فصار اتفاقهما في القدر التحويل بالناقص على الزائد، على أساس أنه يأخذ مقدار حقه والباقي يبقى في ذمة المحال عليه، جائز ولّا غير جائز؟ جائز.