إن صالح عن المؤجل ببعضه حالًّا فإنه لا يَصِحُّ، مثاله: رجل في ذمته لآخر مئة درهم مؤجلة إلى سنة، وفي أثناء السنة جاء الدائن للمدين، وقال: أعطني خمسين منها وأبرئك من الباقي. يقول المؤلف: لا يصح؛ لأن هذا يشبه الربا، حيث أخذ عن المئة كم؟ خمسين، وإن وقع بلفظ الصلح، فالصلح لا يصح؛ لأنه لا يمكن أن يصالح ببعض ماله عن بعضه، هكذا قال المؤلف رحمه الله تعالى، والصواب أنه جائز، وأن الإنسان إذا أخذ البعض في المؤجل وأسقط الباقي فإن ذلك صحيح؛ لأنه وردت به السُّنَّة في غرماء عبد الله بن حرام أبي جابر رضي الله عنه؛ حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم:«ضَعُوا وَتَعَجَّلُوا»(٥)؛ ولأن فيه مصلحة للطرفين، أما الطالب فمصلحته التعجيل، وأما المطلوب فمصلحته الإسقاط.
ومن المعلوم أن الشريعة لا تأتي بمنع عقد فيه مصلحةٌ للطرفين، وليس فيه غرر ولا جهالة، لكن لو أجبَر أحدهما الآخر على هذا الفعل فإنه لا يصح، يعني لو قال الدائن المطلوب للطالب: هذه نصف حقك أُعجِّله لك وأَسقِطْ عني الباقي. قال: لا، أنا أريد حقي كاملًا متى حلَّ. فإنه لا يُجْبر.
فإن أعطاه حقه كاملًا عن المؤجَّل فهل يجبره أو لا؟ في هذا خلاف، فالمذهب: لا يُجْبر، والصواب: أنه يجبره ما لم يكن عليه ضرر، مثال ذلك: إنسان في ذمته لشخص مئة درهم تحل بعد سنة، قبل تمام السنة جاء المطلوب إلى الطالب بمئة الدرهم، وقال: خذ، قال: لا، حتى تَحِل، فهل يُجبر الطالب؟
في هذا خلاف، كما سمعتم، فالمشهور من المذهب أنه لا يجبر؛ لأنه حقٌّ مؤجل لا يلزم قبل أجله، والصحيح أنه يجبر، إلا إذا كان في ذلك ضرر عليه، ووجه ذلك أنه إذا عُجل له دينه فهو مصلحة بلا مضرة، وفيه مصلحة للمطلوب؛ لأن المطلوب يقول: الآن توفر عندي المال، المال عندي متوفر، وأخشى إذا جاء أجل الدين ألا يكون عندي مال، فيكون في هذا ضرر عليَّ.