للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا اختلفا في غير الجهة؛ بمعنى أن الجهة واحدة، فهنا لا بأس أن يتبع أحدهما الآخر، لماذا؟ لأن الانحراف في الجهة لا يضر، ولا يُخلّ بالصلاة، فصار المجتهِدان إذا اختلفا في الجهة؛ بمعنى أن كل واحد منهما قال: إن القِبلة في جهة غير جهة الآخر، فإن أحدهما لا يتبع الآخر؛ لأن كل واحد منهما يعتقد خطأ الآخر، وإلا فقد اتفقا على أن القِبلة شرط ولا بد.

أما إذا اختلفا في غير الجهة بأن اختلفا في الانحراف في جهة واحدة، فهنا لا بأس أن يتبع أحدهما الآخر مثل أن يتجها إلى الجنوب، لكن أحدهما يميل إلى الغرب، والثاني يميل إلى الشرق؛ فالجهة هنا واحدة.

نقول: لا بأس للذي يميل إلى الغرب أن يتبع الذي يميل إلى الشرق، ويميل معه إلى الشرق، أو نقول للذي يميل إلى الشرق: مِلْ إلى الغرب، واتبع الذي يميل إلى الغرب؛ لأنك إذا فعلت ذلك لم تبطل صلاتك بخلاف ما إذا اختلفا جهة، أحدهما يقول: هنا يعني المشرق، والثاني يقول: هنا يعني المغرب، فهنا لا يتبع أحدهما الآخر.

يقول: (لم يتبع أحدهما الآخر)، ما المراد بالاتباع هنا؟ يعني في القِبلة، لا يجوز أن يتبع أحدهما الآخر؛ حتى لو كان أعلمَ منه وأعرفَ، ما دام قد نازَعه وخالفه، فإن كان الإنسان حين اجتهد واجتهد الآخر الذي هو أعلم منه صار عنده تردُّد في اجتهاده، وغلبة ظن في اجتهاد صاحبه. فعلى المذهب لا يتبعه؛ لماذا؟ لأنهم يقولون: لا بد أن يكون خبر ثقة عن يقين.

ولكن الصحيح: أنه يتبعه؛ لأنه لما تردد في اجتهاده بطل اجتهاده، ولما غلب على ظنه صحة اجتهاد صاحبه وجب عليه أن يتبع ما هو أحْرى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن مسعود: «فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ، ثُمَّ لْيَبْنِ عَلَيْهِ» (٦)، وهذا دليل على أن من كان عنده غلبة ظن في أمر من أمور العبادة فإنه يتبع غلبة الظن.

<<  <  ج: ص:  >  >>