للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

طيب، إذا لم ينفع فيه لا حبْس ولا ضرْب حينئذٍ يبيع الحاكم ماله، ويقضي دينَه، لكن المؤلف رحمه الله مشى على أنه لا ضرب؛ لأنه لا فائدة، رجل صبر على الحبس ولم يوفِ، ما الفائدة من ضربه؟ لكن لو رأى ولي الأمر من قاضٍ أو أمير أن ضربه قد يفيد فله أن يضربه ضربًا غير مُبرِّح، وعلى هذا فنجعل الضرب ليس لازمًا، بل هو راجع إلى المصلحة، راجع إلى رأي الإمام.

وظاهر كلام المؤلف أن الحاكم لا يبيع ماله فورًا، يعني بمعنى أنه إذا قيل له: أوفِ الدَّيْن، قال: لا، قلنا: نحبسك. قال: احبسوني.

فظاهر كلام المؤلف أنه لا يباع، وإنما يستعمل معه الحبس. طيب، وإلى متى؟ يومين، ثلاثة، أربعة، ما حددها، إلى أن يوفي وإلا فيبقى في الحبس دائمًا، ولا شك أن هذا فيه إضرار بلا مصلحة. إضرار بمن؟ إضرار بصاحب الدَّيْن من وجه، وإضرار بالغريم المدِين؛ إذ لا فائدة.

ولهذا لو قيل: إن كان أحد من العلماء يقول: بأنه لا يُحبس ولا يُضرَب، وإنما يتولَّى الحاكم الوفاء مباشرةً مما عنده، لو قيل بهذا لكان له وجه؛ لأن في ذلك مصلحة للطرفين، أما صاحب الحق فمصلحته ظاهرة أنه يُسلَّم إليه الحق، وأما المدِين -وهو الغريم- فالمصلحة في حقه انتفاء الضرر عليه بالسجن أو الضرب.

وحينئذٍ نقول: إذا استوفى صاحب الحق حقه، فلا حرج على القاضي أو ولي الأمر أن يؤدِّب هذا المماطل بحبس أو ضرب، فيكون هنا التأديب فيه مصلحة، ألَّا يعود مثل هذا إلى المماطلة، وأما المبادرة بتولي قضاء الدَّيْن ففيه مصلحة لصاحب الدين.

يقول: (فإن أصر ولم يبِع ماله باعه الحاكم وقضاه).

(باعه) الهاء تعود على المال. (الحاكم) القاضي. وكلما مر عليكم كلمة (الحاكم) فالمراد به القاضي، لكن لو أنه جُعِل هيئة مُكوَّنة من السلطان للنظر في الديون، صارت هذه الهيئة تتولى شؤون الديون، ولا يتولاها الحاكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>