من جهة النظر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل مطل الغني ظُلْمًا (٥)، وهذا وإن لم يكن غنيًّا الغناء التام الذي يوفي، فعنده بعض الشيء، فيكون ظالِمًا بمنع الحقوق، والظلم يجب رفعه، ولا سبيل لنا إلى رفعه في هذه الحال إلا بأيش؟ إلا بالحجْر عليه؛ لأنه لو قال قائل: احبسوه كما في القسم الثاني، قلنا: لو حبسناه ما فيه فائدة؛ لأن المال الذي عنده لا يفي، بخلاف الأول؛ القسم الثاني المال يفي، لكن أما هنا فلا حاجة، والظلم تجب إزالته، فلهذا وجب الحجر.
الحجر، معنى الحجر أن نمنعه من التصرف في ماله، لا ببيع، ولا شراء، ولا هِبة، ولا غير ذلك، نمنعه من التصرف. إذا كان صاحب متجر قفَّلنا المتجر بحيث لا يتصرف فيه بشيء، صاحب زراعة، منعناه من التصرف في زراعته، المهم أن نمنعه من التصرف في أعيان ماله حفظًا لذمته ولحقِّ الغرماء.
قال المؤلف:(ويُستحب إظهاره)، إظهار أيش؟ إظهار الحَجْر، بوسائل الإعلام: فلان محجور عليه؛ لئلا يغتر الناس فيعاملوه بعد الحجْر. ومعلوم أن معاملته بعد الحجر باطلة، يعني لو أن أحدًا اشترى منه شيئًا بعد الحجر، فإن الشراء لا يصح ولا ينفذ، فيُعلم الناس حتى لا يغتروا بمعاملته؛ لأنه إذا لم يُعلم فإنه ربما يغتر الناس ويعاملونه، (يستحب إظهاره).
ثم قال:(ولا ينفذ تصرفه في ماله بعد الحجر ولا إقراره عليه)، يعني بعد أن نحجر عليه لا ينفذ تصرفه في ماله، لا ببيع ولا شراء، ولا تأجير، ولا هبة، ولا رهن، ولا وقف، أي تصرف في المال لا ينفذ؛ لأن هذا فائدة الحجر، فائدة الحجر أن نمنعه من التصرف في ماله، لحق مَنْ؟ لحق الغرماء، فهذا محجور عليه لحق غيره.
مثال ذلك: رجل حجرنا عليه وعنده سيارة في المعرض، قد وضعها في المعرض قبل الحجر عليه، هل يمكن أن يبيعها؟ لا يمكن أن يبيعها؛ لأنه إذا حُجِر عليه لا يمكن يتصرف.