والصواب: أن الحضر والسفر كلاهما مَحَلّ للاجتهاد، فإن الإنسان في الحضر قد يصعد إلى السطح في الليل، وينظر إلى القطب، ويستدل به، وفي النهار ينظر إلى الشمس تشرق من المشرق وتغرب في المغرب، والعلامات التي في السفر هي علامات في الحضر.
وأما قولهم: إنه لا اجتهاد في الحضر؛ لأنه يستدل على ذلك بخبر أهل البلد وبالمحاريب الإسلامية، فنقول: إذا كان من أهل الاجتهاد فلا مانع.
فالصواب أنه إذا اجتهد في الحضر؛ فإنه تصح صلاته، إن أصاب فالأمر ظاهر، وإن لم يُصِب فإنه اجتهد وأخطأ وله أجر.
الخلاصة: المذهب في هذه المسألة يُشدِّدون جدًّا يقول: (من صلَّى بغير اجتهاد ولا تقليد قضى ولو أصاب)، والصحيح أنه إن أصاب لا يقضي؛ لأنه لا بد أن تركن نفسه إلى الجهة التي اتجه إليها، فإن أخطأ وجبت عليه الإعادة، أما إذا اجتهد وأخطأ فإنه لا إعادة عليه؛ يعني إذا اجتهد لا إعادة عليه مطلقًا؛ سواء أصاب أم لم يُصِب؛ لأن هذا الرجل فعل ما يجب عليه، ومن فعل ما يجب عليه فقد اتقى الله ما استطاع، ومن اتقى الله ما استطاع فليس عليه أن يُصلِّي مرتين؛ لأن الله لم يُوجِب على عباده أن يُصلوا مرتين، هذا صلَّى حسب ما أُمِر فصحَّت صلاته.
إذا كان من غير أهل الاجتهاد في الحضر، واستند إلى قول صاحب البيت، وتبيَّن أن قول صاحب البيت خطأ، فهل يعيد؟
طلبة: لا يعيد.
الشيخ: المذهب أنه يُعيد؛ لأنه سبق أنه لا بد أن يستند إلى قول:(ثِقة بيقين).
والصحيح: أنه لا يُعيد؛ لأن هذا الإنسان اعتمد على خبر ثقة، ففعل ما يجب عليه، وكما قلنا قبل قليل: من فعل ما يجب عليه فإنه لا إعادة عليه، ولا يمكن أن نلزمه بأن يفعل الصلاة مرتين.
وخلاصة البحث في هذا أن نقول:
أولًا: من صلَّى باجتهاد فصلاته صحيحة؛ سواء أخطأ أو أصاب، وسواء في الحضر أو في السفر، هذا القول الراجح، وإذا صلى بغير اجتهاد ولا تقليد، فإن أخطأ.