للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما كونه يُعيد إذا أخطأ فالأمر ظاهر؛ لأنه لم يفعل ما أُمِر به من السؤال إن كان مُقلِّدًا والاجتهاد إن كان مجتهدًا.

وأما كونه لا يُعيد إذا أصاب؛ فلأنه لا يُمكن أن يتجه إلى جهة إلا وهو يميل إلى أنها القبلة، وهذا الميل يوجب غلبة ظن بهذا الاتجاه، والعبادات يُكتفى فيها بغلبة الظن؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ ثُمَّ لْيَبْنِ عَلَيْهِ» (٨).

ثم قال المؤلف رحمه الله قال: (إن وجد من يُقلِّده)، فإن لم يجد من يقلده وتحرى؛ فإنه لا يلزمه الإعادة.

يقول: (ويجتهد العارف بأدلة القبلة لكل صلاة).

(العارف بأدلة القبلة) وهو الذي نسميه المجتهد؛ لأنه أهْل للاجتهاد؛ لمعرفته بأدلة القِبلة، يجب عليه أن يجتهد لكل صلاة، فإذا اجتهد مثلًا لصلاة الظهر؛ وتبين له أن القبلة هكذا أمَامَه؛ ووضع العلامة على القبلة؛ فصلَّى؛ فصلاته صحيحة، إذا جاء العصر، هل يَعتمد على الاجتهاد الأول أو لا؟

يقول المؤلف: يجتهد لكل صلاة، يجب أن يعيد الاجتهاد مرة ثانية، وينظر في الأدلة مرة ثانية، فلكل صلاة اجتهاد؛ ولكن هذا القول أيضًا ضعيف.

والصواب: أنه لا يلزمه أن يجتهد لكل صلاة، ما لم يكن هناك سبب، مثل أن يطرأ عليه شك في الاجتهاد الأول، فحينئذٍ يُعيد النظر، ونظير ذلك المجتهد في المسائل العلمية، إذا حقَّق مسألة من المسائل، واجتهد فيها، ورأى أن الحُكم فيها كذا وكذا؛ ثم حدثت مرة أخرى، فهل يلزمه أن يعيد البحث والمناقشة أو يكتفي بالأول؟ يكتفي بالأول، ما لم يتبيَّن له خطؤه، فيجب إعادة النظر.

وهكذا المجتهد بأدلة القِبلة؛ فالصحيح خلاف ما ذهب إليه المؤلف من وجوب تجديد الاجتهاد لكل صلاة.

<<  <  ج: ص:  >  >>