للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نقول: اجتهادك الأول يكفي عما بعده إلا إذا وُجد سبب يقتضي إعادة النظر كالشك، فحينئذٍ يُعيد النظر، وسواء كان الشك بإثارة الغير أو بإثارةٍ من نفسه؛ يعني سواء كان الشك من عند نفسه تردد، أو جاءه إنسان قال: يا أخي، ما هذه القبلة، القبلة عن اليمين، عن الشمال، الخلف؛ فإنه يجب عليه إعادة النظر والاجتهاد.

قال: (ويصلي بالثاني، ولا يقضي ما صلى بالأول).

(يصلي) من؟ المجتهد (بالثاني)، أي: بالاجتهاد الثاني، (ولا يقضي ما صلَّى بالأول) إذا تبين له خطؤه؛ لأن الأول مَبنيّ على اجتهاد قد أتى الإنسان فيه بما يجب عليه، ومن أتى بما يجب لم يُلزَم بإعادة العبادة؛ لأننا لو قلنا بلزوم الإعادة لأوجبنا عليه العبادة مرتين، وحينئذٍ نقول: اجتهادك الثاني لا ينقض الاجتهاد الأول.

فإذا صلَّى الظُّهر إلى الشمال معتقِدًا بحسب اجتهاده أن هذه هي القبلة، وفي العصر تبيَّن له أن القبلة نحو الجنوب؟ يُعيد الظهر ولَّا لا؟

طلبة: لا.

الشيخ: لا يعيدها؛ لأنه صلَّاها باجتهاد حسب ما أمر، والاجتهاد لا يُنقض بالاجتهاد.

ومثله: المسائل العلمية، لو كان الإنسان يرى رأيًا بناءً على أن هذا مُقتضى دلالة النصوص، ثم بعد هذا بعد البحث والمناقشة والاطلاع تبين له خلاف قوله الأول، فإنه لا يلزمه نقض الحكم إن كان حاكمًا به، ولا نقض الفتوى، ولا يلزمه أن يذهب إلى الذي أفتاه في الأول، ويقول: إني أفتيتك بكذا، وتبين لي أني أخطأت؛ لأن الأول صادِر عن اجتهاد، فلا يُنقض بالاجتهاد الثاني.

وإنما قلنا: لا يُنقض؛ لأنه كما كان الخطأ في ظنه في الأول يمكن أن يكون الخطأ أيضًا في الثاني، ما يُدرى، ربما أن الأول هو الصواب، وأنت ظننت أن الثاني هو الصواب؛ فلهذا قالوا: لا يُنقض الاجتهاد بالاجتهاد.

<<  <  ج: ص:  >  >>