ثم قال: بل الإخبار عن حدوث هذه الحالة حين يوحَى إليه من ثقل؛ كما يومض إليه قوله تعالى:{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا}[المزمل: ٥].
وأقول: لا يلزم ثقل الوحي حدوث هذه الحالة حين وروده على جهة التحتم، بل كما يجوز ذلك، يجوز أن تكون هذه الحالة عند انفصامه، فلم يتعين أن يكون ما قاله مقصود الراوي بالإخبار، بل هو أمر جائز، ويترجح ما قلناه بأنه أبعد بلفظ الراوي؛ وذلك لأنه لو كان مقصوده الأخبار عن حدوث تلك الحالة في حين نزول الوحي، لوقع قوله:"فيفصم عنه" غيرَ مفيدٍ كبيرَ فائدة؛ لأن الفصم حينئذ ليس مقيدًا بقيد، ووقوعه أمر قطعي؛ لأنه لا يخفى أن الوحي ليس بأمر دائم لا ينفصل، بل يكون في وقت دون وقت، فانفصاله بعد نزوله أمرٌ مقطوع به؛ فأي فائدة يُقَيَّد بها بعد ذلك في قول الراوي:"فيفصم عنه"؟
أما إذا قيد الفصم بهذه الحالة، فالفائدة في ذكره مقرونًا بها ظاهرة، مع ما في ذلك من الوفاء بالغرض من الإشارة إلى ثقل الوحي -كما قررناه-.
ثم قال: والأوجَهُ: أنه حال عن الضمير المنصوب في "رأيته"؛ أي: رأيته ينزل عليه الوحي حالَ كونِه متفصِّدًا عرقًا.
وأقول: يَرِد عليه: أن ذكر الفصم حينئذ يكون قليل الجدوى -كما قدمناه-، وكان الأليق بقوله: إن مقصود الراوي الإخبار عن حدوث هذه الحالة حين الوحي أن يجعل الجملة حالًا (١) من الوحي الذي هو فاعل "ينزل"، أما لفظًا؛ فلأنَّ الجملة الحالية أقربُ إليه من الضمير المنصوب، وأما معنى، فلأنه أقعدُ بغرضه؛ من حيث إنه يكون حينئذ نصًّا في تقيد نزول