للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النوع من المشاكلة أبدع وأعجب؛ إذ ليس تعبيره (١) عن الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبة ذلك الغير، بل في صحبة ضده. إلى هذا كلامه.

وفيه يقتضي أن الحد الذي ذكره صاحب "التلخيص" وغيره للمشاكلة، وهو معتمَد المعترِض، وعُدَّتُه التي (٢) يعتضد بها، ليس بجامع؛ لخروج هذا النوع من المشاكلة عنه؛ ضرورة أن المعبر عنه بلفظ: "غيره": ما يقع في صحبة ذلك الغير، لا تحقيقًا، ولا تقديرًا.

وقوله: لا يخفى على من له أدنى بصيره بعلم البلاغة: أن في حكاية شريح مصاحبة تقديرية، ليس بصحيح؛ فإن المصاحبة فيها تحقيقية، لا تقديرية، وذلك أنه شبه انقباض الشهادة عن الحفظ، وتأبيها على الذاكرة بتجعد الشعر، فعبر عن الشيء بلفظ غيره، أو المشاكلة فيه باعتبار وقوع التجعد في صحبة السبوط تحقيقًا، مع أن السبوطة ليست نفس التجعد، بل هي ضده؛ إذ المراد بها: استرسال الشعر، وعدم انقباضه، وهو ضد التجعد.

وقول المعترض: "أن معنى سبوطة الشهادة، ومعنى قوله: إنها لم تجعَّد، غير واحد" أمر عجيب، وذلك أن هذا من قبيل المشاكلة كما سلَّمه هو، والمشاكلة لا بد فيها من تغاير معنى اللفظين المتصاحبين، وإلا، فلو اتفقا معنًى، لم يكن ثَمّ تعبير عن الشيء بلفظ غيره، والمشاكلة هنا إنما وقعت باعتبار تجعد الشهادة المصاحب لسبوطها، لا باعتبار عدم تجعد مع السبوطة، وقول الزمخشري: "ولولا سبوطة الشهادة، لامتنع تجعيدها" صريح في ذلك.


(١) في الأصل: "تعبير"، والصواب ما أثبت.
(٢) في الأصل: "الذي"، والصواب ما أثبت.

<<  <  ج: ص:  >  >>