فَأَعْتَقَ الْأَبُ حَظَّهُ مُعْسِرًا لَا يُدْفَعُ لَهُ لِأَنَّ مُكَاتَبَهُ أَوْ مُكَاتَبَ ابْنِهِ، وَأَمَّا الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَجْنَبِيٍّ فَحُكْمُهُ عَلَى مِمَّا مَرَّ لِأَنَّهُ إمَّا مُكَاتَبُ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ. وَقَالَا: يَجُوزُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ حُرٌّ كُلُّهُ أَوْ حُرٌّ مَدْيُونٌ فَافْهَمْ.
(وَ) لَا إلَى (غَنِيٍّ) يَمْلِكُ قَدْرَ نِصَابٍ فَارِغٍ عَنْ حَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ كَمَنْ لَهُ نِصَابُ سَائِمَةٍ لَا تُسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ
ــ
[رد المحتار]
الْعَبْدَ إنْ كَانَ كُلُّهُ لِلْمُعْتِقِ عَتَقَ بِقَدْرِ مَا أُعْتِقَ وَلَهُ اسْتِسْعَاؤُهُ فِي قِيمَةِ الْبَاقِي أَوْ تَحْرِيرُهُ وَإِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا.
فَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا فَلِشَرِيكِهِ اسْتِسْعَاءُ الْعَبْدِ فِي قِيمَةِ حِصَّتِهِ أَوْ تَضْمِينِ الْمُعْتِقِ، وَيَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْعَبْدِ أَوْ يُعْتِقُ بَاقِيَهُ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا اسْتَسْعَى الْعَبْدُ لَا غَيْرُ.
وَعِنْدَهُمَا إنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ عَتَقَ كُلُّهُ وَلَا يَسْعَى وَإِنْ أَعْتَقَ بَعْضَ الْمُشْتَرَكِ فَلَيْسَ لِلْآخَرِ إلَّا الضَّمَانُ مَعَ الْيَسَارِ وَالسِّعَايَةُ مَعَ الْإِعْسَارِ وَلَا يَرْجِعُ الْمُعْتِقُ عَلَى الْعَبْدِ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْأَحْكَامِ فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ: مُعْسِرًا) حَالٌ مِنْ الْأَبِ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ احْتِرَازِيٍّ (قَوْلُهُ: لَا يُدْفَعُ لَهُ) ذَكَرَهُ لِيُعَلِّلَ لَهُ وَإِلَّا فَيُغْنِي عَنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا إلَى عَبْدِهِ ط.
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ مُكَاتَبَهُ أَوْ مُكَاتَبَ ابْنِهِ) ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ لَهُ أَوْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِهِ وَكَانَ مُوسِرًا وَاخْتَارَ الِابْنُ تَضْمِينَهُ وَرَجَعَ الْأَبُ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا ضَمِنَ فَهُوَ مُكَاتَبٌ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا أَوْ كَانَ مُوسِرًا وَاخْتَارَ الِابْنُ الِاسْتِسْعَاءَ فَهُوَ مُكَاتَبُ ابْنِهِ وَمُكَاتَبُ الِابْنِ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ كَمَا لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى الِابْنِ فَافْهَمْ.
وَبِمَا قَرَّرْنَا ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ مُعْسِرًا لَيْسَ بِقَيْدٍ احْتِرَازِيٍّ كَمَا قُلْنَا وَلَعَلَّ فَائِدَتَهُ رُجُوعُ شِقَّيْ التَّعْلِيلِ إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى سَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ ثُمَّ إنَّهُ سَمَّاهُ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُهُ فِي السِّعَايَةِ وَإِنْ خَالَفَهُ مِنْ بَعْضِ الْأَوْجُهِ كَعَدَمِ الرَّدِّ إلَى الرِّقِّ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمُشْتَرَكُ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَجْنَبِيَّيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ وَاخْتَارَ السَّاكِتُ الِاسْتِسْعَاءَ فَلِلْمُعْتِقِ الدَّفْعُ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ لِشَرِيكِهِ، وَلَيْسَ لِلسَّاكِتِ الدَّفْعُ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبُهُ وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا وَاخْتَارَ السَّاكِتُ تَضْمِينَهُ فَلِلسَّاكِتِ الدَّفْعُ إلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ وَلَيْسَ لِلْمُعْتِقِ الدَّفْعُ إذَا اخْتَارَ بَعْدَ تَضْمِينِهِ اسْتِسْعَاءَهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إمَّا مُكَاتَبُ نَفْسِهِ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُزَكِّي هُوَ السَّاكِتَ الْمُسْتَسْعَى، وَكَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا أَوْ كَانَ الْمُزَكِّي هُوَ الْمُعْتِقَ الْمُوسِرَ وَاسْتَسْعَى الْعَبْدُ بَعْدَ أَنْ ضَمَّنَهُ السَّاكِتُ، وَقَوْلُهُ أَوْ غَيْرُهُ أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُزَكِّي هُوَ الْمُعْتِقَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى أَوْ السَّاكِتَ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْبَحْرِ، فَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأَوَّلِيَّيْنِ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبُ نَفْسِهِ كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا إلَى مَمْلُوكِ الْمُزَكِّي وَلَوْ مُكَاتَبًا، وَفِي الْأَخِيرَتَيْنِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبُ غَيْرِهِ كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِ الْمَتْنِ سَابِقًا وَمُكَاتَبٌ، فَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إلَخْ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ فَحُكْمُهُ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَافْهَمْ.
قَالَ فِي النَّهْرِ: فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ دَفْعُ الزَّكَاةِ مِنْ الْمُعْسِرِ؟ قُلْت: يُتَصَوَّرُ بِأَنْ يَكُونَ زَكَاةَ مَالٍ مُسْتَهْلَكٍ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ وَيَكُونَ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ فَقِيرًا (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا وَالْعَبْدُ كُلُّهُ لَهُ أَوْ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ حُرٌّ كُلُّهُ) أَيْ غَيْرُ مَدْيُونٍ وَهُوَ فِيمَا إذَا كَانَ كُلُّ الْعَبْدِ لِلْمُعْتِقِ أَوْ بَعْضُهُ وَهُوَ مُوسِرٌ وَضَمِنَهُ السَّاكِتُ (قَوْلُهُ: أَوْ حُرٌّ مَدْيُونٌ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا فَإِنَّ الْعَبْدَ يَسْعَى لِلسَّاكِتِ وَهُوَ حُرٌّ (قَوْلُهُ: فَافْهَمْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ حَرَّرَ الْمُرَادَ عَلَى وَجْهٍ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا أَوْرَدَهُ فِي الدُّرَرِ عَلَى عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَإِنْ تَكَلَّفَ شُرَّاحُهَا إلَى تَأْوِيلِهَا كَمَا يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَةِ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: وَلَا إلَى غَنِيٍّ) اسْتَثْنَى مِنْهُ الْقُهُسْتَانِيُّ الْمُكَاتَبَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالْعَامِلَ، وَمُقْتَضَاهُ جَوَازُ الدَّفْعِ إلَى الْمُكَاتَبِ وَإِنْ حَصَلَ نِصَابًا زَائِدًا عَلَى بَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَقَدَّمْنَا نَحْوَهُ عَنْ شَرْحِ ابْنِ الشَّلَبِيِّ، وَأَمَّا دَفْعُهَا إلَى السُّلْطَانِ فَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ أَوَّلَ الزَّكَاةِ وَكَذَا لَوْ جَمَعَ رَجُلٌ لِفَقِيرٍ زَكَاةً مِنْ جَمَاعَةٍ.
(قَوْلُهُ: فَارِغٍ عَنْ حَاجَتِهِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: قَدْرُ الْحَاجَةِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَقَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ الزَّكَاةِ مَنْ لَهُ مَسْكَنٌ، وَمَا يَتَأَثَّثُ بِهِ فِي مَنْزِلِهِ وَخَادِمٌ وَفَرَسٌ وَسِلَاحٌ وَثِيَابُ الْبَدَنِ وَكُتُبُ الْعِلْمِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ عَنْ ذَلِكَ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ حَرُمَ عَلَيْهِ أَخْذُ الصَّدَقَةِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ